قوله: ﴿ وَإِن تَعْجَبْ ﴾ بإدغام الباء في الفاء وبتحقيقها قراءتان سبعيتان، والعجب استعظام أمر خفي سببه. قوله: (من تكذيب الكفار لك) أي مع كونك كنت مشهوراً بينهم بالأمانة والصدق، فلما جئت بالرسالة كذبوك. قوله: ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾ لا بد هنا من صفة محذوفة لتتم الفائدة، والتقدير فعجب عظيم أو أي عجب، وعجب خبر مقدم، وقولهم مبتدأ مؤخر. قوله: (منكرين للبعث) حال من الضمير في ﴿ قَوْلُهُمْ ﴾.
قوله: ﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً ﴾ هذه الجملة في محل نصب مقول القول وهو أحسن ما يقال. قوله: (لأن القادر) إلخ، تعليل لقوله: ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾.
قوله: (وما تقدم) أي من رفع السماوات بغير عمد، وتسخير الشمس والقمر، وغير ذلك من الأمور المتقدمة. قوله: (قادر على إعادتهم) أي لأنه إذا تعلقت قدرته بشيء كان، فلا فرق بين الابتداء والإعادة، وأما قوله تعالى:﴿ وَهُوَ أَهْوَنُ ﴾[الروم: ٣٧]، فذلك باعتبار عادة المخلوقات، أن القادر على الابتداء، تسهل عليه الإعادة بالأولى، وإلا فالكل في قدرته تعالى سواء. قوله: (وفي الهمزتين في الموضعين) إلخ، من هنا إلى قوله: (وتركها) أربع قراءات. قوله: (وفي قراءة بالاستفهام في الأول) إلخ، وفي ذلك ثلاث قراءات، تحقيق الهمزتين من غير إدخال ألف بينهما، وتحقيق الأولى وتسهيل الثانية، مع إدخال ألف بينهما وبدونها، وقوله: (وأخرى عكسه) قراءتان التحقيق مع الألف ودونها، ولا يجوز تسهيل الثانية، فتكون القراءات تسعاً وكلها سبعية، واختلف القراء في هذا الاستفهام المكرر اختلافاً منتشراً، وهو في أحد عشر موضعاً، في تسع سور من القرآن، فأولها في هذه السورة. والثاني والثالث في الإسراء بلفظ واحد﴿ أَءِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً ﴾[الإسراء: ٧٩].
والرابع في المؤمنون:﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾[المؤمنون: ٨٢].
والخامس في النمل﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾[النمل: ٦٧].
والسادس في العنكبوت﴿ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ ﴾[العنكبوت: ٢٨-٢٩].
والسابع في الم السجدة:﴿ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾[السجدة: ١٠].
والثامن والتاسع في الصافات﴿ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾[الصافات: ١٦].
﴿ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَءِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾[الصافات: ٥٣].
والعاشر في الواقعة:﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾[الواقعة: ٤٧].
والحادي عشر في النازعات:﴿ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ * أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً ﴾[النازعات: ١٠-١١].
والوجه في الاستفهام في الموضعين، أن الأول للإنكار، والثاني تأكيد، والوجه في كونه في موضع واحد، حصول الإنكار به، وإحدى الجملتين مرتبطة بالأخرى، فإذا أنكر في إحداهما، حصل الإنكار في الأخرى. قوله: ﴿ ٱلأَغْلاَلُ ﴾ جمع غل، وهو طوق من حديد يجعل في أعناقهم. قوله: ﴿ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ ﴾ أي لا محيص لهم عنها، فهم ملازمون لها، كالصاحب الملازم لصاحبه. قوله: (ونزل في استعجالهم العذاب) أي وذلك أن مشركي مكة، كانوا يطلبون تعجيل العذاب استهزاء حيث يقولون: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك، فأمطر علينا حجارة من السماء، أو ائتنا بعذاب أليم. قوله: ﴿ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ ﴾ أي وهو تأخير العذاب عنهم. قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ﴾ الجملة حالية. قوله: (جمع المثلة) بفتح الميم وضم المثلثة، أي وهي النقمة تنزل بالشخص، فجعل مثلاً يرتدع به غيره، قوله: (بوزن السمرة) أي وهو شجرة الطلح أي الموز. قوله: ﴿ لَذُو مَغْفِرَةٍ ﴾ المراد بها ستر الذنوب وعدم المؤاخذة بها حالاً، بل يؤخر الأخذ بها، فإن تاب الشخص ورجع، دام ذلك الستر عليه، وإلا أخذه أخذ عزيز مقتدر. قوله: ﴿ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ﴾ الجملة حالية، أي والحال أنهم ظالمون لأنفسهم بالمعاصي. قوله: (لمن عصاه) أي ودام على ذلك، فرحمة الله في الدنيا غلبت غضبه لجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، وأما في الآخرة فقد انفردت رحمته للمؤمنين خاصة. قوله: ﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاۤ ﴾ أي تعنتاً. قوله: (هلا) أشار بذلك إلى أن لولا للتحضيض. قوله: (كالعصا واليد) أي وغير ذلك مما اقترحوا، قال تعالى حكاية عنهم:﴿ وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً ﴾[الإسراء: ٩٠].
الآية. قوله: ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ﴾ أي ليس عليك إلا الإنذار بما أوحي اليك، لأنهم معاندون كفار، ليس قصدهم بذلك الإيمان، بل التعنت في الكفر. قوله: ﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ الجملة مستأنفة، وهاد بإثبات الياء وحذفها في الوقت، وبحذفها في الوصل لا غير، ثلاث قراءات سبعية، وأما في الرسم فهي محذوفة. قوله: ﴿ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ ﴾ أي لأنه الخالق المصور، فلا تخفى عليه خافية، ويعلم عرفانية متعدية لواحد، وما اسم موصول مفعوله والعائد محذوف. قوله: (وغير ذلك) أي من أوصاف الحمل، من كونه أبيض أو أسود، قصيراً أو طويلاً، سعيداً أو شقياً، قوياً أو ضعيفاً. قوله: (تنقص) ﴿ ٱلأَرْحَامُ ﴾ (من مدة الحمل) أي المعتادة وهي تسعة أشهر، فهو يعلم الحمل الناقص عن تلك المدة، وقوله: ﴿ وَمَا تَزْدَادُ ﴾ أي وما تزيد، فهو يعلم الناقص عن تلك المدة والزائد عليها، لا يخفى عليه شيء من أوقات الحمل ولا من أحواله، وقيل النقصان السقط، والزيادة زيادتها على تسعة أشهر، وأقل مدة الحمل ستة أشهر، وقد يولد لهذه المدة ويعيش. قوله: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ هذا أعم مما قبله، فالشيء يشمل الحمل وغيره، من أفعال العباد وأحوالهم وخواطرهم، فقد دبر سبحانه وتعالى العالم بأسره على طبق، ما تعلقت به قدرته وإرادته، ولا يعجزه شيء، ولا يشغله شأن عن شأن قال تعالى:﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾[لقمان: ٢٨] فينبغي للإنسان أن لا يدبر لنفسه شيئاً، ولا يشتغل بشيء تكفل به غيره، بل يعتمد على من يدبر الأمور، ويفوض له أحواله، ويترك الأوهام التي حجبت القلوب عن مطالعة الغيوب. قوله: (بقدر وحدّ لا يتجاوزه) أي لا يتخلف شيء عن الحد الذي قدره الله له، من سعادة وشقاوة ورزق وغير ذلك.


الصفحة التالية
Icon