قوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾ اسم الإشارة مبتدأ واللام للبعد والكاف حرف خطاب والكتاب نعت لاسم الإشارة أو عطف بيان وجملة لا ريب فيه خبر كما قال المفسر. قوله: (أي هذا) أشار بذلك إلى أن حق الإشارة أن يؤتى بها للقريب وسيأتي الجواب عنه. قوله: ﴿ ٱلْكِتَابُ ﴾ بمعنى المكتوب وهو القرآن، إن قلت إن القران قريب فلا يشار له بإشارة البعيد، أجاب المفسر بقوله والإشارة به للتعظيم، أي والقرآن وإن كان قريباً منا إلا أنه مرفوع الرتبة وعظيم القدر من حيث إنه منزه عن كلام الحوادث، وذلك كمناداة المولى سبحانه وتعالى بيا التي ينادي بها البعيد مع كونه اقرب إلينا من حبل الوريد، لكونه سبحانه منزها عن صفات الحوادث، فنزل تنزهه عن الحوادث منزلة بعدنا عنه، والكتاب في الأصل مصدر يطلق بمعنى الجمع. قوله: (الذي يقرؤه محمد) أي وهو القرآن احترز بذلك عن باقي الكتب السماوية. قوله: (لا شك) هذا أحد معاني ثلاثة والثاني النهمة والثالث القلق والاضطراب وكلها منزه عنها القرآن لخروجه عن طاقة البشر، قال تعالى:﴿ قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ﴾الآية [الإسراء: ٨٨].
إن قلت إن قوله تعالى: ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ خبر وهو لا يتخلف، مع أن بعض الكفار ارتاب فيه حيث قالوا: سحر وكهانة وأساطير الأولين إلى غير ذلك، أجيب بأجوبة أحسنها أن قوله: ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾، أي لمن أذعن وأقام البرهان وتأمل، فلا ريب للعارفين المنصفين، وأما من عاند فلا يعتد به، (إن هم إلا كالإنعام بل هم أضل) ومنها أن معنى قوله: ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ أي لا ينبغي أن يرتاب فيه لقيام الأدلة الواضحة على كونه من عند الله. ومنها أن المعنى ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ أي للمؤمنين، وأما الكافرون فلا يعتد بهم، فالجواب الأول عام، فمن تأمل لا يحصل له ريب مسلما أو كافراً أو جحده بعد ذلك عناداً، والجواب الثاني أنه نفي بمعنى النهي، والثالث خاص بالمسلم. قوله: (أنه من عند الله) بفتح الهمزة بدل من الضمير في قوله: ﴿ فِيهِ ﴾ ويدل على قوله تعالى في الآخرى ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾ من ﴿ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾.
قوله: (والإشارة به للتعظيم) تقدم أن هذا الجواب عن سؤال مقدر، إن قلت إنه لا يشار إلا المحسوس أو الإِشارة لما في المصاحف أو اللوح المحفوظ. قوله: ﴿ هُدًى ﴾ أي رشاد وبيان، وهو مصدر إما بمعنى اسم الفاعل وهو الذي اقتصر عليه المفسر أي مرشد ومبين، والاسناد له مجاز عقلي من الاسناد للسبب أو ذو هدى أو بولغ فيه حتى جعل نفس الهدى على حد: زيد عدل. قوله: ﴿ لِّلْمُتَّقِينَ ﴾ إن قلت إن القرآن هدى بمعنى مبين طريق الحق من الباطل للناس مؤمنهم وكافرهم فلم خص المتقين؟ أجيب بأنه خصهم بالذكر لكونهم انتفعوا بثمرته عاجلاً وآجلاً وهذا إن اريد به البيان حصل وصول للمقصود أم لا؟ وأما إن إريد به الوصول للمقصود فالتخصيص ظاهر، وأصل متقين متقيين استثقلت الكسرة على الياء الاولى فحذفت الياء فالتقى ساكنان حذفت الياء لالتقاء الساكنين. قوله: (الصائرين إلى التقوى) اشار بذلك إلى أن في الكلام مجاز الأول أي المتقين في علم الله أومن يؤول إلى كونهم متقين، فهو جواب عن سؤال مقدر حاصله أنهم إذا كانوا متقين فهم مهتدون فلا حاجة له. قوله: (بامتثال الأوامر) يصح أن تكون سببية أو التصوير. وقوله: (واجتناب النواهي) عطف عليه، والمعنى أن امتثال الأوامر على حسب الطاقة واجتناب النواهي جميعها سبب للتقوى أو هي مصورة بذلك. قوله: (لاتقائهم) علة لتسميتهم متقين. وقوله: (بذلك) أي المذكور وهو امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وهذا إشارة إلى تقوى الخواص وتحتها تقوى العوام وهي تقوى الشرك وفوقها تقوى خواص الخواص وهي تقوى ما يشغل عن الله. قال العارف: ولو خطرت لي في سواك إرادة   على خاطري يوماً حكمت بردتيوالآية في حد ذاتها شاملة للمراتب الثلاث.


الصفحة التالية
Icon