قوله: ﴿ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ هذا مرتب على ما قبله. قوله: (لا جواب غيره) أي لتعينه عليهم لاعترافهم به، وإنما يتركون هذا الجواب عناداً. قوله: ﴿ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ ﴾ إلخ، المعنى: أبعد إقراركم بأنه رب السموات والأرض واعترافكم به، يليق بكم، أن تتخذوا من دونه من لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً؟ قوله: (تركتم مالكها) أي وهو الله. قوله: (استفهام توبيخ) أي للثاني، وأما الأول فهو للتقرير. قوله: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ﴾ هذا ترق في الرد عليهم. قوله: (الكافر والمؤمن) أي فالمراد بالأعمى أعمى القلب، والبصير بصيره. قوله: (الكفر) أي وعبر بالظلمات جمعاً لتعدد أنواعه، بخلاف الإيمان فهو متحد، فلذا عبر عنه بالنور مفرداً، سمى الكفر ظلمات، لأنه موصل لدار الظلمات وهي النار، وسمى الإيمان بالنور، لأنه موصل لدار النور وهي الجنة. قوله: (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي، وبمعنى هذه الآية قوله تعالى:﴿ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾[النور: ٣٥] الآية، وقوله تعالى:﴿ أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ ﴾[النور: ٤٠].
قوله: ﴿ أَمْ جَعَلُواْ ﴾ أي بل أجعلوا، فأم منقطعة تفسر ببل والهمزة. قوله: ﴿ شُرَكَآءَ ﴾ أي الأصنام. قوله: ﴿ خَلَقُواْ ﴾ أي الأصنام، وقوله: ﴿ كَخَلْقِهِ ﴾ أي الله، والمعنى هل لهذه الأصنام خلق كخلق الله؟ فاشتبه بخلقه فاستحقت العبادة لذلك، وهو إنكار عليهم، أي لم يخلقوا أصلاً، بل ولا يستطيعون دفع ما ينزل بهم، فيكف العاجز يعبد؟ قوله: (أي ليس الأمر كذلك) أي لم يخلقوا كخلق الله حتى يشتبه بخلق الله، بل الكفار يعلمون بالضرورة، أن هذه الأصنام لم يصدر عنها فعل ولا خلق ولا أثر أصلاً، وإذا كان كذلك، فجعلهم إياها شركاء لله في الألوهية محض جهل وعناد. قوله: ﴿ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ ﴾ أي المنفرد بالإيجاد والإعدام، القاهر لعباده، المختار في أفعاله فلا يسأل عمل يفعل. قوله: (ثم ضرب مثلاً) أي بينه، والمراد بالمثل الجنس، لأن المذكور للحق مثلاً وللباطل كذلك. قوله: ﴿ فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ ﴾ أي أنهار جمع واد، وهو الموضع الذي يسيل فيه المال بكثرة، وحينئذ فهو مجاز عقلي من إسناد الشيء لمكانه، والأصل فسال الماء في الأودية. قوله: ﴿ بِقَدَرِهَا ﴾ بفتح الدال باتفاق السبعة، وقرىء شذوذاً بسكونها. قوله: (بمقدار ملئها) أي ما يملأ كل واحد بحسبه، صغراً وكبراً. قوله: ﴿ زَبَداً ﴾ الزبد ما يظهر على وجه الماء من الرغوة، أو على وجه القدر عند غليانه، وقد تم المثل الأول. قوله: ﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ ﴾ الجار والمجرور خبر مقدم، و ﴿ زَبَدٌ ﴾ مثله مبتدأ مؤخر. قوله: (بالتاء والياء) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ فِي ٱلنَّارِ ﴾ متعلق بتوقدون، وقوله: ﴿ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ ﴾ علة لتوقدون. قوله: (كالأواني) أي والمسكوك الذي ينتفع به الناس في معايشهم. قوله: ﴿ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ﴾ أي في كونه يصعد ويعلو على أصله. قوله: (الكير) هو منفاخ الحداد، وأما الكور فهور الموضع الذي توقد فيه النار كالكانون. قوله: (المذكور) أي من الأمور الأربعة التي للحق والباطل. قوله: ﴿ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ ﴾ لف ونشر مشوش. قوله: (مرمياً به) أي يرميه الماء إلى الساحل، ويرميه الكير فلا ينتفع به. قوله: (والحق ثابت) أي ماكث، كما أن الماء والجوهر ثابتان، وإنما يرمى بزبدهما، والمعنى أن مثل الباطل، كمثل الرغوة التي تعلو على وجه الماء، وخبث الجوهر الذي يصعد على وجهه عند نفخ النار عليه، ومثل الحق، كمثل الماء الصافي والجوهر الصافي، كما أن الرغوة في كل لا قرار لها ولا ينتفع بها بل ترمى، كذلك الباطل يضمحل ولا يبقى، والحق ثابت ينتفع به، كالجوهر والماء الصافيين، وفي هذه الآية بشرى للأمة المحمدية، بأنها ثابتة على الحق، لا يضرهم من خالفهم في العقائد، بل وإن علا وارتفع لا بد من اضمحلاله وزواله. قوله: ﴿ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ ﴾ أي لإرشاد عبيده باللطف والرفق، فإن من جملة ما جاء به القرآن الأمثال.