قوله: ﴿ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ ﴾ إلخ، هذا جواب عن شبهة الكفار حيث قالوا: لو كان الله غضبان علينا كما زعمتم أيها المؤمنون، لما بسط لنا الأرزاق ونعمنا في الدنيا، فرد الله عليهم شبهتهم بذلك، والمعنى أن بسط الرزق في الدنيا ليس تابعاً للإيمان، بل ذلك بتقدير الله في الأزل لمن يشاء، فقط يبسط الرزق للكافر استدراجاً. ويضيقه على المؤمن امتحاناً. قوله: (يوسعه) ﴿ لِمَنْ يَشَآءُ ﴾ أي مؤمن أو كافر. وقوله: (يضيقه لمن يشاء) أي مؤمن أو كافر. قوله: ﴿ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ هذا بيان لقبح أحوالهم فهو مستأنف. قوله: (فرح بطر) أي لا فرح سرور وشكر لنعم الله. قوله: ﴿ فِي ٱلآخِرَةِ ﴾ أي منسوبة للآخرة، والمعنى وما الحياة الدنيا منسوبة في جنب الحياة الآخرة إلا متاع. قوله: (يتمتع به ويذهب) أي فلا بقاء لها، قال تعالى:﴿ لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي ٱلْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾[آل عمران: ١٩٦-١٩٧].
قوله: (هلا) أشار بذلك إلى أن لولا تحضيضية. قوله: ﴿ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ أي غير ما جاء به من نبع الماء وتسبيح الحصى وغير ذلك. قوله: (فلا تغني الآيات عنه شيئاً) أي فمجيئها لا يفيدهم شيئاً، إذ ما جاز على أحد المثلين يجوز على الآخر، فما قالوه في حق ما جاء به من كونه سحراً أو كهانة، يقولونه في حق ما لم يأت به على فرض إتيانه به، قال تعالى:﴿ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾[يونس: ١٠١].
قوله: ﴿ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ ﴾ أي يوصله لمرضاته ولما يحبه. قوله: (ويبدل من من) أي بدل كل، ويصح جعله مبتدأ خبره الموصول الثاني، وما بينهما اعتراض. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ أي اتصفوا بالتصديق الباطني الناشىء عن إذعان وقبول. قوله: ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ ﴾ هذه علامة المؤمن الكامل، والطمأنينة بذكر الله، هي ثقة القلب بالله، والاشتغال به عمن سواه، ثم اعلم أن هذه الآية تفيد أن ذكر الله تطمئن به القلوب، وآية الأنفال تفيد أن ذكر الله يحصل به الوجل والخوف، فمقتضى ذلك أنه بين الآيتين تناف، وأجيب: بأن الطمأنينة هنا معناها السكون إلى الله والوثوق به، فينشأ عن ذلك، عدم خوف غيره، وعدم الرجاء في غيره، فلا ينافي حصول الخوف من الله والوجل منه، وهذا معنى آية الأنفال، وحينئذ فصار الغير عندها هباء منثوراً ليس معداً لدفع ضر، ولا لجلب نفع، وبمعنى الآيتين قوله تعالى:﴿ ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾[الزمر: ٢٣] فتحصل أن المؤمن الكامل، هو المطمئن بالله الواثق به، الخائف من هيبته وجلاله، فلا يشاهد غيره، لا في جلب نفع ولا دفع ضر، لأن الله هو المالك المتصرف في الأمور، خيرها وشرها، فحيث شاهد المؤمن وحدانية الله في الوجود، أعرض عما سواه واكتفى به، فلا يعرج على غيره أصلاً، وهذا أتم مما ذكره المفسر، حيث دفع الشافي بأن معنى الطمأنينة، سكون القلب بذكر الوعد، والبشارات والوجل بذكر الوعيد والنذارات. قوله: ﴿ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي الكاملة في الإيمان.


الصفحة التالية
Icon