قوله: (ونزل لما قالوا) أي كفار مكة منهم: أبو جهل وعبد الله بن أمية، جلسوا خلف الكعبة، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم، وقيل: إنه مر بهم وهم جلوس، فدعاهم إلى الله، فقال عبد الله بن أمية: إن سرك أن نتبعك، فسير جبال مكة بالقرآن فادفعها عنا حتى تفسح، فإنها أرض ضيقة لمزارعنا، واجعل لنا فيها أنهاراً وعيوناً، لنغرس الأشجار ونزرع ونتخذ البساتين، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود، حيث سخر له الجبال تسير معه، أو سخر لنا الريح لنركبها إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجع في يومنا، كما سخرت لسليمان الريح كما زعمت، فلست أهون على ربك سليمان، وأحي لنا جدك قصياً، فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولست بأهون على الله منه؛ فنزلت هذه الآية. قوله: ﴿ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ ﴾ أي من خشية الله عند قراءته، فجعلت أنهاراً وعيوناً، قوله: (لما آمنوا) جواب لو، والمعنى لو فعل الله ما ذكر وأجابهم، لم يحصل منهم إيمان، لأن الله على علم عدم هداهم. قوله: ﴿ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً ﴾ أي القدرة على كل شيء، وهو إضراب عما تضمنته الجملة الشرطية من معنى النفي، والمعنى بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه، إلا أن إرادته لم تتعلق بذلك، لعلمه بأنهم لا يؤمنون. قوله: (وإن أوتوا ما اقترحوه) أي اعطوا ما طلبوه. قوله: (لما أراد الصحابة) إلخ، أي فقالوا: يا رسول الله إنك مجاب الدعوة، فاطلب لهم ما اقترحوا، عسى أن يؤمنوا. قوله: (يعلم) يطلق اليأس على العلم في لغة هوازن ونخع لتضمنه معناه، فإن الآيس من الشيء عالم بأنه لا يكون. قوله: ﴿ أَن ﴾ (مخففة) أي واسمها ضمير الشأن، وجملة ﴿ لَّوْ يَشَآءُ ﴾ إلخ، خبر أن. قوله: ﴿ لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً ﴾ أي ولكن لم يفعل ذلك لعدم تعلق مشيئته باهتدائهم. إن قلت: لم لم يجب الله نبيه بعين ما طلبوا، كما أجاب صالحاً في الناقة، وعيسى في المائدة، مع علمه بأنهم لا يؤمنون؟ أجيب: بأنه جرت عادة الله في عباده الكفار، أنهم متى طلبوا شيئاً من المعجزات، وعاهدوا نبيهم على الإيمان عند مجيئها ولم يؤمنوا، أنه يهلكهم ويقطع دابرهم عن آخرهم، وقد أراد الله إبقاء هذه الأمة المحمدية، وعدم استئصالها بالهلاك، إكراماً لنبيها، فلم تحصل الإجابة بعين ما طلبوا رحمة بهم وإكراماً لنبيهم. قوله: ﴿ وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ إخبار من الله لنبيه بالنصر المرتب على صبره، وقوله: (تصيبهم) خبر يزال. قوله: (بصنعهم) أشار بذلك إلى أن ما مصدرية تسبك ما بعدها بمصدر، والباء سببية أي بسبب صنعهم. قوله: ﴿ قَارِعَةٌ ﴾ التنوين للتنكير، إشارة إلى أنها ليست مخصوصة بشيء معين، بل هي عامة في كل ما يهلكهم. قوله: (تقرعهم) أي تهلكهم. قوله: ﴿ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً ﴾ معطوف على قارعة، والمعنى تصيبهم بما صنعوا قارعة، أو حلولك قريباً من دارهم، والعطف يقتضي المغايرة فالمراد بالقارعة غير حلوله، وإن كان من أعظم القوارع، وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمعنى اصبر فإنك منصور ومؤيد، وهم مخذولون، فإن الدواهي مسلطة عليهم. قوله: ﴿ قَرِيباً ﴾ أي مكاناً قريباً وهو الحديبية. قوله: (بالنصر عليهم) أي بفتح مكة. قوله: (وقد حل بالحديبية) أي مرتين: الأولى سنة ست حين أراد العمرة وبعث عثمان، وقد صدوا النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن البيت، فصالح الكفار النبي على ان يمكنوه من الدخول في السنة السابعة، فدخلها واعتمر، والثانية سنة ثمان، حين أراد فتح مكة، فإنه حل بها هو وجيشه، وأمرهم أن يتفرقوا ويوقد كل شخص ناراً على حدة إرهاباً للعدو، ففي صبيحتها حصل الفتح العظيم ودخلوا مكة.