قوله: ﴿ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلأَرْضُ غَيْرَ ٱلأَرْضِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ ﴾ اختلف المفسرون في هذا التبديل، فقيل: المراد تبدل صفاتهما فتسوى الجبال، وتقلع الأشجار، وتنشق الأنهار، وتذهب الكواكب من السماوات وتكسف شمسها ويخسف قمرها، وقيل: تبدل ذاتهما، فتبدل الأرض بأرض نقية بيضاء كالفضة لم يسفك عليها دم، وتبدل السماوات بسماء من ذهب، وعلى هذا القول، فالخلائق يكونون قيل: على الصراط وما زاد منهم يكون على متن جهنم، وقيل يكون في ظلمة قبل المحشر، وقيل على أكف ملائكة سماء الدنيا، وجمع بين القولين بأن تبديل الصفات، يكون أولاً قبل نفخة الصعق، وتبديل الذات يكون بعد النفخة الثانية. قوله: (فيحشر الناس على أرض بيضاء نقية) أي ويؤيد ذلك ما روي عن ابن عباس والضحاك، أن الخلائق إذا جمعوا في صعيد واحد، الأولين والآخرين، أمر الجليل جل جلاله، بملائكة سماء الدنيا أن يتولوهم، فيأخذ كل واحد منهم إنساناً وشخصاً المبعوثين، إنساً وجناً، ووحشاً وطيراً، وحولوهم إلى الأرض التي تبدل، وهي أرض بيضاء من فضة نورانية، وصارت الملائكة من وراء الخلق حلقة واحدة، فإذا هم أكثر من أهل الأرض بعشر مرات، ثم إن الله يأمر بملائكة السماء الثانية، فيحدقون بهم حلقة واحدة، وإذا هم مثلهم عشرين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء الثالثة، فيحدقون من وراء الكل بهم حلقة واحدة، فإذا هم مثل ثلاثين ضعفاً، ثم تنزل ملائكة السماء الرابعة، فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة، فيكونون أكثر منهم بأربعين ضعفاً، ثم تنزل ملائكة السماء الخامسة، فيحدقون من ورائهم حلقة واحدة، فيكونون مثلهم خمسين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء السادسة، فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة، وهم مثلهم ستين مرة، ثم تنزل ملائكة السماء السابعة، فيحدقون من وراء الكل حلقة واحدة، وهم مثلهم سبعين مرة، والخلق تتداخل وتندمج، حتى يعلو القدم ألف قدم لشدة الزحام، ويخوض الناس في العرق على أنواع مختلفة إلى الأذقان، وإلى الصدر، وإلى الحقوين، وإلى الركبتين، ومنهم يصيبه الرشح اليسير، كالقاعد في الحمام، ومنهم من يصيبه البلة، كالعاطش إذا شرب الماء، وكيف لا يكون القلق والعرق والأرق، وقد قربت الشمس من رؤوسهم، حتى لو مد أحد يده لنالها، وتضاعف حرها سبعين مرة، وقال بعض السلف: لو طلعت الشمس على الأرض كهيئتها يوم القيامة، لاحترقت الأرض وذاب الصخر، ونشفت الأنهار. قوله: ﴿ وَبَرَزُواْ ﴾ عطف على تبدل، فهو بمعنى المضارع، أي يوم تبدل الأرض وتبرز الخلائق. قوله: ﴿ وَتَرَى ﴾ معطوف على تبدل أيضاً. قوله: (مشدودين مع شياطينهم) أي فتجمع أيديهم وأرجلهم في أعناقهم، ويشد كل واحد مع شيطانه الذي كان معه في الدنيا. قوله: ﴿ فِي ٱلأَصْفَادِ ﴾ جمع صفد بفتحتين وهو القيد. قوله: (والأغلال) جمع غل بالضم، وهو طوق من حديد. قوله: ﴿ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ ﴾ أي جلودهم تطلى بالقطران، حتى يكون الطلاء كالقميص. قوله: ﴿ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ﴾ أي وقلوبهم. قوله: (متعلق ببرزوا) أي وما بينهما اعتراض. قوله: (في نصف نهار) أي وكل واحد يرى أنه يحاسب وحده. قوله: ﴿ هَـٰذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ ﴾ في هذه الآية من المحسنات البديعية، رد العجز على الصدر، فقد افتتحت هذه السورة بقوله﴿ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ ﴾[إبراهيم: ١].
قوله: (لتبليغهم) أي توصيلهم إلى ما فيه صلاحهم ورشدهم.


الصفحة التالية
Icon