قوله: ﴿ إِلاَّ مَنِ ٱسْتَرَقَ ٱلسَّمْعَ ﴾ استثناء منقطع، لأن ما قبل الاستثناء دخولهم السماء، وما بعده استراقهم من خارجها، والمعنى أن الشياطين يركب بعضهم بعضاً، يريدون الاستراق، فتكون الشهب بالمرصاد لهم، كما صرحت به سورة الجن في قوله:﴿ وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا ﴾[الجن: ٩] الخ. قوله: (كوكب مضيء) وقيل الشهاب، شعلة نار تنفصل من الكوكب، وهو الصحيح. قوله: (أو يخبله) أي يفسد أعضاؤه، فيصير غولاً في الوادي يضل الناس. قوله: ﴿ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا ﴾ الأرش منصوب بفعل محذوف يفسره ﴿ مَدَدْنَاهَا ﴾.
قوله: (بسطناها) أي على الماء. قوله: (لئلا تتحرك بأهلها) أي لأن الله لما خلقها وبسطها على الماء، تحركت واضطربت، فثبتها بالجبال الرواسي فسكنت. قوله: (معلوم) أي الله، فيعلم قدر ما يحتاج إليه الخلق في معاشهم. قوله: ﴿ مَعَايِشَ ﴾ جمع معيشة، وهي ما يعيش بها الإنسان، من المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك. قوله: (بالياء) أي بإتفاق السبعة، لأنها في المفرد أصلية، فلا تقلب في الجمع همزة، بل تبقى على حالها، بخلاف المد الزائد في المفرد، فإنه يقلب همزة في الجمع، قال ابن مالك: والمد زيد ثالثاً في الواحد همزاً يرى في مثل كالقلائدوقرىء شذوذاً بالهمزة على التشبيه بشمائل. قوله: ﴿ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴾ مشى المفسر على أنه معطوف على ﴿ مَعَايِشَ ﴾ حيث قدر قوله جعلنا لكم. قوله: (من العبيد) أي والخدم وغيرهم، فأنتم تنتفعون بتلك الأشياء، ولستم برازقين لها، وإنما رزقها على خالقها. قوله: ﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ كالدليل لقوله: ﴿ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ﴾ و ﴿ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ﴾ فهو إعلام بسعة فضله سبحانه وتعالى، قوله: ﴿ شَيْءٍ ﴾ نكرة في سياق النفي، فنعم كل شيء كان في الدنيا أو الآخرة، جليلاً أو حقيراً. قوله: ﴿ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ ﴾ أي إلا يوجده الله، إذا تعلقت قدرته وإرادته به، ففي الكلام مجاز، حيث شبه سرعة إيجاده الأشياء بحصولها بالفعل، وجعلها في خزائن، والجامع بينهما سرعة الحصول في كل، فالمعنى بيده الأشياء كلها، خيرها وشرها، جليلها وحقيرها، فإذا أراد الله شيئاً حصل، فلا يطلب الإنسان من غيره بل بطلب المفاتيح ممن بيده الخزائن، والمفاتيح كناية عن التسهيل، فمن أراد الله شيئاً أعطاه مفتاحه، بمعنى سهل أسبابه. قوله: ﴿ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ أي فيسعد هذا ويشقي هذا، ويفقر هذا ويغنى هذا، على حسب ما قدره الله، إذا علمت ذلك، فالمناسب للمفسر أن يقول على حسب تقدير الله، فإن الله تعالى ليس مراده مقيداً بمصالح عباده، بل أفعاله على حسب ما أراده وعلمه، وإلا فنجد الكافر يطول عمره، وهو في فقر ومرض، ثم يختم له بالكفر ويكون في النار، فأي مصلحة في ذلك؟