قوله: ﴿ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ ﴾ أي إعياء بخلاف الدنيا، ففيها الاعياء والتعب والكدرات والمشقات. قوله: ﴿ وَمَا هُمْ مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ ﴾ أي بل هم خالدون فيها، لا يزالون ولا يحولون، فالجنة بلا زوال، وبقاء بلا فناء، وكمال بلا نقصان. قوله: ﴿ نَبِّىءْ عِبَادِي ﴾ الخ، أي أخبر يا محمد عبادي المؤمنين العاصين، بأني أنا الغفور الرحيم فلا يقنطون من رحمتي، ولا يخافون عذابي. وهذا من الله تعطف لعباده واستجلابهم للتوبة. وقد أكد هذه الجملة بألفاظ ثلاثة: أولها ﴿ أَنِّي ﴾ وثانيها ﴿ أَنَا ﴾، وثالثها تعريف الجملة بأل. ولما ذكر العذاب لم يقل وإني أنا المعذب، وهذا يدل على أن الرحمة تغلب الغضب، فلا يستبعد العاصي رحمة الله، بل يقبل على سيده بالتوبة والإنابة، فإنه هو الغفور الرحيم، فمتى كان في العبد أوصاف متعددة، تقتضي الغضب، ووصف واحد يقتضي الرحمة، فإن وصف الرحمة يغلب. قوله: ﴿ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ ٱلْعَذَابُ ٱلأَلِيمُ ﴾ أي بهذه الآية لمناسبة ذكر النار أولاً، فقد ذكر النار والجنة ثم ذكر ما يناسب كلاً على سبيل اللف والنشر المشوش، واستفيد من هذه الآية، أن العبد يكون بين الرجاء والخوف، ففي الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه قال: بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال" لو يعلم العبد قدر عفو الله، ما تورع عن حرام، ولو يعلم قدر عذابه، لجمع نفسه إلى قتله "وعنه صلى الله عليه وسلم" نه مر بنفر من أصحابه وهم يضحكون فقال: أتضحكون وبين أيديكم النار "؟ فنزل ﴿ نَبِّىءْ عِبَادِي ﴾ الخ. قوله: ﴿ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ نَبِّىءْ عِبَادِي ﴾ الخ، والمعنى وأخبر عبادي عن قصة ضيوف إبراهيم الخ، واعلم أنه في هذه السورة، أثبت نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أولاً، ثم أتبع ذلك بذكر أدلة التوحيد، ثم خلق آدم وما يتعلق به، ثم بين أهل السعادة وأهل الشقاوة، ثم أتبع ذلك بذكر قصص بعض الأنبياء، ليكون عبرة للمعتبرين، وأوقع في نفسه المتعظين، وقد ذكر هنا أربع قصص: قصة إبراهيم، ثم قصة لوط، ثم قصة شعيب، ثم صالح على سبيل الاختصار وقد تقدمت في سورة هود بأبسط مما هنا. قوله: ﴿ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ الضيف في الأصل الميل، سمي النازل للقرى بذلك، لميله إليك ونزوله عندك، وهو مصدر يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، وقد يجمع ويثني. قوله: (منهم جبريل) أي على كل من الأقوال الثلاثة. قوله: ﴿ إِذْ دَخَلُواْ ﴾ ﴿ إِذْ ﴾ ظرف معمول لمحذوف تقديره اذكر. قوله: (أي هذا اللفظ) أي لفظ ﴿ سَلاماً ﴾ وهو مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره سلمنا عليك، أو سلم الله عليك سلاماً، ولم يذكر هنا رد السلام، ولا بقية القصة اختصاراً. قوله: ﴿ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ ﴾ تقدم أن سبب خوفه منهم، أنه رأى فيهم جلال الله وهيبته. قوله: ﴿ قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ ﴾ قرأ السبعة بفتح التاء والجيم، وفعله وجل كعلم، وقرىء شذوذاً بالبناء للمفعول، ولا تأجل بقلب الواو ألفاً، ولا تؤاجل بضم التاء وزيادة ألف بعد الواو، فالقراءات الشاذة ثلاث.


الصفحة التالية
Icon