قوله: ﴿ وَقَضَىٰ رَبُّكَ ﴾ ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات جملة من التكاليف، نحو خمسة وعشرين حكماً، بعضها أصلي، وبعضها فرعي، وابتدأ منها بالتوحيد بقوله:﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً ﴾[الإسراء: ٢٢] وختم به بقوله:﴿ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً ﴾[الإسراء: ٣٩] إشارة إلى أنه رأس الأمور وأساسها، وما عداه من الأحكام مبني عليه، ولما كان حق الوالدين آكد الحقوق، بعد حق الله ورسوله، ذكر بعد التوحيد وشدد فيه، دون بقية التكاليف، لأن أمر العقوق فظيع، وفيه الوعيد الشديد، ففي الحديث" قل لعاق والديه بفعل ما يشاء فإن مصيره إلى النار "قوله: (أمر) أي أمراً جازماً، وقيل إن قضى بمعنى أوصى، وقيل بمعنى حكم، وقيل بمعنى ألزم، وقيل بمعنى أوجب، وكل صحيح. قوله: ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ بأن لا تشركوا معه في العبادة غيره، فتمتثلوا أوامره وتجتنبوا نواهيه، ودخل في ذلك الاقرار لرسول الله بالرسالة، ومحبته وتعظيمه، لأن ذلك من حملة المأمور به، قال تعالى:﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ ﴾[آل عمران: ٣١].
قوله: (أي بأن) أشار بذلك إلى أن أن مصدرية، ويكون الفعل منصوباً بحذف النون، ويصح أن أن مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، ولا ناهية، والفعل مجزوم بحذف النون، والواو فاعل على كل حال. قوله: ﴿ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ ﴾ متعلق بمحذوف قدره المفسر بقوله: ﴿ وَ ﴾ (أن تحسنوا) والجملة معطوفة على جملة ﴿ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ ﴾.
قوله: (بأن تبروهما) أي تطيعوا أمرهما في غير معصية الله. قوله: ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ ﴾ إن شرطية مدغمة في ما الزائدة، والفعل مبني على الفتح، لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، في محل جزم، وأحدهما فاعل، وكلاهما معطوف عليه، وجواب الشرط هو ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ ﴾ وما عطف عليه من بقية الخمسة التي كلف بها الإنسان في حق والديه. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً، وعليها فالفعل مجزوم لحذف نون الرفع، والألف فاعل، والنون المشددة المكسورة للتوكيد والتقييد لحالة الكبر، خرج مخرج الغالب، لأن الولد غالباً إنما يتهاون بوالديه عند حصول الكبر لهما، وإلا فالولد مطلوب ببر والديه مطلقاً، كانا عنده أو لا. قوله: (بفتح الفاء) أي من غير تنوين، قوله: (وكسرها) أي منوناً وغير منون، فالتعميم راجع لقراءة الكسر، خلافاً لما يوهمه المفسر، فالقراءات السبعية ثلاث، وقرىء شذوذاً بالرفع مع التنوين وتركه، وبالفتح مع التنوين وسكون الفاء، فتكون الشواذ أربعاً، فجملة القراءات سبع هنا، وفي الأنبياء وفي الأحقاف ولغاتها أربعون لغة، ذكرها ابن عطية في تفسيره. قوله: (مصدر بمعنى تباً) بفتح التاء وضمها أي خسرانا، قوله: (وقبحاً) أي لا تقل لهما قبحاً لكما ولأفعالكما، والأوضح أن يقول اسم فعل المضارع، أي لا تقل لهما أنا اتضجر من شيء يصدر منكما. قوله: (وتزجرهما) أي عما لا يعجبك منهما بإغلاظ، بأن لا تأمرهما ولا تنهاهما، ولو كان ذلك الأمر غير مناسب، بل إذا أحب أن يأمرهما أو ينهاهما، فليكن على سبيل المشاورة باللطف والرفق. قوله: ﴿ وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ﴾ أي حسناً، كأن يقول لهما: يا أبتاه يا أماه، ولا يسميهما.


الصفحة التالية
Icon