قوله: ﴿ إِنَّ ٱلْمُبَذِّرِينَ ﴾ إلخ، هذا غاية في الذم. قوله: ﴿ كَانُوۤاْ إِخْوَانَ ٱلشَّيَاطِينِ ﴾ أي ولم يزالوا كذلك، والمعنى أن المبذرين يشبهون الشياطين، في أن كلا منهما ضل في نفسه وأضل غيره، فالشياطين صرفوا همهم وقوتهم وما أنعم الله عليهم به من معاصي الله ولم يصلحوا، والمبذرون صرفوا أموالهم فيما يغضب الله تعالى وأفسدوا ولم يصلحوا. قوله: (أي على طريقتهم) أي مقتدين بهم وملازمين لأفعالهم، لأن الملازم للشيء يسمى أخاً له. قوله: (شديد الكفر لنعمه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير وكان الشيطان لنعم ربه كفوراً. قوله: (فكذلك أخوه المبذر) أي فقد كفر نعم ربه، حيث صرفها في غير طاعة الله. قوله: ﴿ وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ ﴾ معطوف على محذوف تقديره: وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل إن كان بيدك شيء وإما تعرضن الخ، والمعنى لا تقطع رجاء الفقير منك، بل إما أن تعطيه إن كان معك شيء، أو ترده بلطف، كما كان من خلقه صلى الله عليه وسلم، فكان إذا سئل أعطى أو وعد بالعطاء. قوله: (وما بعده) أي المسكين وابن السبيل. قوله: ﴿ ٱبْتِغَآءَ رَحْمَةٍ ﴾ مفعول لأجله، وهو علة مقدمة على المعلول، والمعنى: وإما تعرضن عنهم لأجل عسرك، فقل لهم قولاً ميسوراً، اعتماداً على الله وطلباً لرحمة من ربك ترجوها، وفي ذلك إشارة إلى أن الإنسان، لا ينبغي له قطع رجائه من الله بل يعتمد على الله دائماً في عسره ويسره، فإن الغنى هو وثوق القلب بالله، فلا يعتمد على سبب من الأسباب، بل يتوكل على الله، ولا يقطع رجاءه منه، ولا رجاء غيره فيه ثقة بربه. قوله: (بأن تعدهم) أي أو تدعو لهم بأن تقول: أغناكم الله، سهل لكم أسباب الخير، وغير ذلك. قوله: ﴿ وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ ﴾ أي مضمومة ومجموعة معه في الغل، وهو بضم الغين المعجمة، طوق من حديد يجعل في العنق. قوله: (أي لا تمسكها عن الإنفاق) أي فهو نهي عن البخل على سبيل الكناية، لأن شأن من جعل يده مغلولة إلى عنقه، عدم القدرة على التصرف، وشأن البخيل عدم التصرف في المال بالانفاق وغيره. قوله: (كل المسك) المناسب الامساك لأن الفعل رباعي، وكأنه شاكل قوله: ﴿ ٱلْبَسْطِ ﴾.
قوله: ﴿ كُلَّ ٱلْبَسْطِ ﴾ أي بأن تنفق زيادة على ما يجب وما يندب. قوله: ﴿ فَتَقْعُدَ ﴾ أي تصير، فقوله: ﴿ مَلُوماً ﴾ خبر لتقعد، و ﴿ مَّحْسُوراً ﴾ معطوف عليه. قوله: (راجع للأول) أي البخيل. قوله: (منقطعاً لا شيء عندك) أي فهو من حسره السفر إذا أثر فيه، ويصح أن يكون من الحسرة بمعنى الندامة، أي نادماً على ما حصل منك. قوله: (راجع للثاني) أي وهو من بسط يده كل البسط، ولا تشكل هذه الآية، على ما ورد من فعل السلف، الذين خرجوا عن أموالهم في محبة الله ورسوله وصاروا فقراء، لأن النهي محمول على من كان يعقبه الندم والتحسر، وأما من فعل ذلك من السلف، وأقره عليه رسول الله، كأبي بكر وغيره، من الذين كانوا يؤثرون على أنفسهم، ومدحهم الله على ذلك، فلم يوجد منهم التحسر على فوات الدنيا لفنائهم عنها وبقائهم بالله، وخطاب تلك الآيات، إنما هو على حسب أخلاق العامة.


الصفحة التالية
Icon