قوله: ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ أي لا تقربوه بحال من الأحوال، إلا بالخصلة التي هي أحسن من جميع الخصال، وهي تنميته له، والأنفاق عليه منه بالمعروف. قوله: ﴿ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ﴾ غاية لقوله: ﴿ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ كأنه قال: فاقربوه بالتي هي أحسن، إلى أن يبلغ أشده أي رشده، فإذا بلغ أشده فادفعوا إليه المال، ولا تصرف لكم فيه بوجه، وأشد إما مفرد بمعنى القوة، أو جمع لا واحد له من لفظه، أو جمع شدة، أو شد بكسر الشين فيهما، أو شد بفتحها، وعلى كل فالمراد به القوة، بأن يبلغ عاقلاً رشيداً، وإن كان الأشد في الأصل بلوغ ثلاث وثلاثين سنة. قوله: (إن عاهدتم الله أو الناس) أي أو ما عاهدكم الله عليه من التكاليف. قوله: ﴿ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ (عنه) أي هل وفى به صاحبه أم لا، وقدر المفسر عنه إشارة إلى أن المسؤول صاحب العهد لا نفس العهد، إذ لا يتأتى سؤاله. قوله: ﴿ وَأَوْفُوا ٱلْكَيْلَ ﴾ خطاب للبائعين، قال بعضهم: يؤخذ من الآية، أن أجرة الكيال على البائع، لأنها من تمام التسليم، ما لم تشترط أو يجر عرف بأنها على المشترى. قوله: ﴿ بِٱلقِسْطَاسِ ﴾ بضم القاف وكسرها قراءتان سبعيتان، ورمي استعملته العرب في لغتهم، وأجرته مجرى كلامهم في الاعراب ونحوه فصار عربياً. قوله: ﴿ ذٰلِكَ ﴾ أي المذكور من قوله:﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾[الإسراء: ٢٢] إلى هنا، والمعنى امتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، خير في الدنيا وأحسن تأويلاً أي عاقبة في الآخرة، ويحتمل عود اسم الإشارة على خصوص إيفاء الكيل والميزان، فخيره في الدنيا لما فيه من إقبال المشتري على البائع، وفي الآخرة بحسن العاقبة. قوله: ﴿ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي لا تقل رأيت ولم ترَ، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم. قوله: ﴿ كُلُّ أُولـٰئِكَ ﴾ أي الحواس الثلاثة. قوله: ﴿ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً ﴾ أي في الآخرة، فلا يجوز للإنسان أن يتكلم في غيره بمجرد الظن، ومن ذلك الفتوى بغير علم، وشهادة الزور، وظن السوء بالناس، وغير ذلك قوله: ﴿ مَرَحاً ﴾ مصدر مرح كفرح وزنا. ومعنى؟ قوله: ﴿ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ ٱلأَرْضَ ﴾ أي بكبرك وفخرك، فلست أعلى من الأرض حتى تدرك حدودها وتبلغ منتهاها. قوله: (تثقبها) بالثاء المثلثة والنون. قوله: ﴿ طُولاً ﴾ تمييز محول عن الفاعل، أي ولن يبلغ طولك الجبال، وهذا تهكم على العبد المتكبر، كأن الله يقول له: شأن المتكبر أن يرى كل شيء أحقر منه، وأنت ترى كل شيء أعظم منك، لأنك بمشيك على الأرض لن تخرقها حتى تدركها، ولن يبلغ طولك الجبال حتى تكون أعلى منها، فلا يليق منك التكبر. قوله: ﴿ كُلُّ ذٰلِكَ ﴾ أي المذكور من الخمس والعشرين المذكورة في قوله تعالى﴿ لاَّ تَجْعَل مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾[الإسراء: ٢٢] إلى قوله: ﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً ﴾.
قوله: ﴿ كَانَ سَيِّئُهُ ﴾ بالتاء والهاء قراءتان سبعيتان، فعلى الأولى يكون المراد من قوله: ﴿ كُلُّ ذٰلِكَ ﴾ المنهيات وهي اثنتا عشرة خصلة، والتأنيث في ﴿ سَيِّئُهُ ﴾ باعتبار معنى ﴿ كُلُّ ﴾ وتذكير ﴿ مَكْرُوهاً ﴾ باعتبار لفظها، وعلى الثانية يكون المراد جميع ما تقدم من المأمورات والمنهيات، وقوله: ﴿ كَانَ سَيِّئُهُ ﴾ أي السيىء منه وهو المنهيات الاثنتا عشرة، ويكون في الآية اكتفاء، وكان حسنه محموداً.