قوله: ﴿ أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ ﴾ هذا من تتمة ما قبله، واسم الإشارة مبتدأ، وجملة ﴿ يَبْتَغُونَ ﴾ وما عطف عليه خبر، و ﴿ ٱلَّذِينَ ﴾ بدل من اسم الإشارة أو عطف بيان عليه و ﴿ يَدْعُونَ ﴾ صلته، وقدر المفسر مفعوليه والمعنى أن العقلاء الذين زعمتموهم وعبدتموهم آلهة، يطلبون من الله القرب بسبب طاعتهم وخضوعهم وذلهم لربهم، ويرجون رحمته، ويخافون عقابه، بل كل من كان أقرب منهم في الدرجة، فهو أشد خضوعاً وخوفاً، ولا يرضون بكونهم معبودين من دون الله. قوله: (بد من واو يبتغون) أي و ﴿ أَقْرَبُ ﴾ خبر مبتدأ محذوف والجملة صلة، أي كما أشار له المفسر بقوله: (يبتغيها الذي هو) ﴿ أَقْرَبُ ﴾.
قوله: (فكيف تدعونهم آلهة) أي مع كونهم راجين خائفين محتاجين لربهم، والإله لا يكون كذلك. قوله: ﴿ كَانَ مَحْذُوراً ﴾ أي مخافاً منه، والمعنى هو حقيق بأن يخاف منه كل أحد. قوله: ﴿ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ ﴾ أي طائعة أو عاصية، وقوله: ﴿ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا ﴾ أي الطائعة، وقوله: ﴿ أَوْ مُعَذِّبُوهَا ﴾ أي العاصية، والمعنى أن كل أحد يفنى قبل يوم القيامة، قال تعالى:﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾[الرحمن: ٢٦] ولكن الفناء مختلف، فمنهم من يموت ميتة حسنة، ومنهم من يموت ميتة سوء. قوله: (بالموت) أي فالهلاك قد يستعمل في الموت، قال تعالى:﴿ إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ ﴾[النساء: ١٧٦].
قوله: ﴿ كَانَ ذٰلِك ﴾ أي ما ذكر من الإهلاك والتعذيب. قوله: ﴿ مَسْطُوراً ﴾ أي فلا يغير ولا يبدل. قوله: ﴿ وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ ﴾ الخ، سبب نزول هذه الآية، أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: اقلب لنا الصفا ذهباً، وسير لنا هذه الجبال عن مكة لنزرع مكانها، وأحي لنا آباءنا الموتى، فإن فعلت ذلك آمنا بك، فشرع النبي يسأل الله تعالى في ذلك، فنزلت هذه الآية، والمعنى ما كان السبب في تركنا إجابتهم عجزاً منا، بل السبب في ترك الإجابة غلبة رحمتنا بهم، فإنه قد جرت عادتنا، من أول الزمان إلى وقتك هذا، أن كل أمة طلبت من نبيها آية نأتيهم بها، فإذا كفروا استأصلناهم بالهلاك، وقد سبق في علمنا أن أمتك تبقى على وجه الأرض إلى يوم القيامة، ولو آتيناهم ما طلبوه ولم يؤمنوا، لاستأصلناهم بالهلاك، فلم يتم ما سبق في علمنا، فمنعهم مما طلبوه رحمة بأمتك جميعاً. قوله: (التي اقترحوها) أي كقلب الصف ذهباً، وغير ذلك مما يأتي في قوله وقالوا﴿ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً ﴾[الإسراء: ٩٠] الآيات. قوله: ﴿ مُبْصِرَةً ﴾ بكسر الصاد بإتفاق السبعة، وإسناد الإبصار لها مجاز، لأنها سبب في التبصر والاعتبار والاهتداء، وخصت معجزة صالح بالذكر هنا، لأن المكذبين لها ديارهم المهلكة قريبة منهم، يبصرونها في أسفارهم ذهاباً وإياباً. قوله: (المعجزات) دفع بذلك ما يقال إن في الآية تعارضاً، حيث نفى إرسال الآيات أولاً، وأثبته ثانياً. وحاصل الجواب أن يقال: إن المنفي أولاً الآيات المقترحة، والمثبت ثانياً المعجزات الغير المقترحة.