قوله: ﴿ وَمَن كَانَ فِي هَـٰذِهِ أَعْمَىٰ ﴾ أي وهو الذي يعطي كتابه بشماله، فيسود وجهه حينئذ ويحصل له الندم، قال تعالى:﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَٰبَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ ﴾[الحاقة: ٢٥] الخ. قوله: ﴿ أَعْمَىٰ ﴾ (عن الحق) أي فالمراد أعمى القلب لا يبصر رشده. قوله: (وقراءة الكتاب) أي قراءة سارة، وإلا فهو يقرؤه قراءة يحصل له بها الندم والحسرة والحزن. قوله: ﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾ أي لأنهم حينئذ لا ينفعهم الإيمان. قوله: (عنه) أي عن طريق النجاة. قوله: (ونزل في ثقيف) أي وهم قبيلة يسكنون الطائف، وحاصله أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالاً نفتخر بها على العرب، لا نعشر ولا نحشر ولا نجبى في صلاتنا، فالمراد بقولهم لا نشعر، لا نعطي العشر من الزكاة، وبقولهم لا نحشر، لا نؤمر بالجهاد، وبقولهم لا نجبى بضم النون وفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة مكسورة، لا نركع ولا نسجد في صلاتنا، والمراد لا نصلي، وكل رباً لنا فهو لنا، وكل رباً علينا، فهو موضوع عنا، وأن تمتعنا باللات سنة، حتى نأخذ ما يهدى لها، فإذا أخذناه كسرناها وأسلمنا، وأن تحرم وادينا كما حرمت مكة، فإن قالت العرب: لم فعلت ذلك؟ فقل: إن الله أمرني، فسكت النبي وطمع القوم في سكوته أن يعطيهم ذلك، فأنزل الله ﴿ وَإِن كَادُواْ ﴾ الخ. قوله: (مخففة) أي واسمها ضمير الشأن. قوله: (يستنزلونك) أي يطلبون نزولك عن الحكم الذي أوحيناه إليك من الأوامر والنواهي. قوله: ﴿ لِتفْتَرِيَ ﴾ أي تختلق وتكذب. قوله: ﴿ غَيْرَهُ ﴾ أي غير ما أوحينا إليك. قوله: ﴿ وَإِذاً ﴾ هي حرف جواب وجزاء تقدر بلو الشرطية كما قال المفسر. قوله: ﴿ لاَّتَّخَذُوكَ ﴾ جواب قسم محذوف تقديره والله لاتخذوك، وهو مستقبل في المعنى، لاقتضاء المجازاة الاستقبال. قوله: (وهو صريح) أي قوله: ﴿ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ ﴾.
قوله: (لم يركن) أي بالطريق الأولى، وقوله: (ولا قارب) أي بمنطوق التركيب. والمعنى امتنع قربك من الركون لوجود تثبيتنا إياك، وإذا امتنع القرب من الركون، فامتناع الركون أولى. قوله: (لو ركنت) المناسب أن يقول: لو قاربت الركون، لأن جواب لولا هو المقاربة، ولأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، فإن المقاربة من فعل القبيح لا عذاب عليها عموماً، والكاملون يشدد عليهم على قدر مقامهم قال العارف: وإذا منحت القرب فاعرف قدره   إن السخي لمن يحب شحيحقوله: (أي مثلي ما يعذب غيرك) أي من جميع الخلق، والمعنى لو قاربت الركون، لأنزلنا عليك عذاباً في الدنيا والآخرة، مثل عذاب الخلق مرتين. قوله: (مانعاً منه) أي من العذاب المضاعف. قوله: (لما قال له اليهود) الخ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، كره اليهود مقامه فيها حسداً، فأتوه فقالوا: يا أبا القاسم، لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء، فإن أرض الأنبياء الشام، وهي الأرض المقدسة، وكان بها إبراهيم والأنبياء، فإن نبياً مثلهم فائت الشام، وإنما يمنعك من الخروج إليها مخافة الروم، وإن الله سيمنعك من الروم إن كنت رسوله، فسار النبي بجيشه على ثلاثة أميال من المدينة، وفي رواية إلى ذي الحليفة، حتى يجتمع إليه أصحابه، ويأتي الإذن من الله فيخرج، فنزلت هذه الآية، فرجع، وسلطه الله عليهم، فقتل منهم بني قريظة، وأجلى بني النضير بعد زمن قليل، وهذا مبني على أن الآية مدنية، وأما على أن الآية مكية، فالمراد بالأرض أرض العرب، والمعنى همّ المشركون أن يخرجوه منها، فمنعهم الله عنه، ولم ينالوا منه ما أملوه.


الصفحة التالية
Icon