قوله: (وكان صلى الله عليه وسلم) أشار بذلك إلى سبب نزولها وحاصله" أنه سجد صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فجعل يقول في سجوده: يا الله، يا رحمن، فقال أبو جهل: إن محمداً ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين "قوله: (إلهاً آخر) أي وهو الرحمن، ظناً منهم أن المراد به مسيلمة الكذاب، لأن قومه كانوا يسمونه رحمان اليمامة، قال بعضهم في حقه: سميت بالمجد يا ابن الأكرمين أباً وأنت غيث الورى لا زلت رحماناوهجاه بعض المسلمين بقوله: سميت بالخبث يا ابن الأخبثين أباً وأنت شر الورى لا زلت شيطاناقوله: (أي سموه بأيهما) أي اذكروا في غير نداء. قوله: (أو نادوه) تفسير ثان لقوله: ﴿ ٱدْعُواْ ﴾ فعلى الأول يكون ناصباً لمفعولين: أولهما محذوف تقديره معبودكم، وعلى الثاني يكون ناصباً لمفعول واحد. قوله: (بأن تقولوا يا الله يا رحمن) أشار بذلك إلى أن أسماء الله توقيفية، فلا يجوز لنا أن نسميه باسم غير وارد في الشرع، قال صاحب الجوهرة: واختبر أن أسماء توقيفية. قوله: ﴿ أَيّاً ﴾ (شرطية) أي منصوبة بتدعو، فهي عاملة ومعمولة، والمضاف إليه محذوف قدره المفسر بقوله: (أي هذين). قوله: ﴿ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ هذه الجملة جواب الشرط، وهو ما اشتهر على ألسنة المعربين، وقدر المفسر جوابه بقوله: (فهو حسن) فتكون الجملة دليل الجواب، والأسماء جمع اسم، وهو اللفظ الدال على ذات المسمى، وأسماؤه تعالى كثيرة، قيل ثلاثمائة وقيل ألف وواحد، وقيل مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، عدد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لأن كل نبي تمده حقيقة اسم خاص به، مع امداد بقية الأسماء له لتحققه بجميعها، وقيل ليس لها حد ولا نهاية لها على حسب شؤونه في خلقه، وهي لا نهاية لها، والحسنى إما مصدر وصف به، أو مؤنث أحسن، كأفضل وفضلى، فأفرد لأنه وصف جمع القلة لما لا يعقل، فيجوز فيه الإفراد والجمع، وإن كان الأحسن الجمع، قال الأجهوري: وجمع كثرة لما لا يعقل الأفصح الإفراد فيه يأفلوغيره فالأفصح المطابقة نحو هبات وأفرات لائقةوحسن أسمائه تعالى، لدلاتها على معان شريفة هي أحسن المعاني، لأن معناها ذات الله أو صفاته. قوله: (كما في الحديث) أي ونصبه" إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسماً، من أحصاها دخل الجنة، هو الله الذي لا إله إلا هو "" إلى آخر الرواية التي ذكرها المفسر واختارها، وإن كان الحديث وارداً بأوجه خمسة، لكونها أصح الروايات الواردة، ومنها:" إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة غير واحد، إنه وتر يحب الوتر، وما من عبد يدعو بها إلا وجبت له الجنة "ومنه:" إن " لله تسعة وتسعون اسماً، من احصاها كلها دخل الجنة، أسأل الله تعالى، الرحمن الرحيم، الإله الرب "إلى آخره. ومنها:" إن لله عز وجل، تسعة وتسعون اسماً، مائة إلا واحداً، إنه وتر، يحب الوتر، من حفظها دخل الجنة، الله الواحد الصمد "الخ. ومنها:" إن لله تعالى مائة اسم غير اسم، من دعا بها استجاب الله له "وكلها في الجامع الصغير، في حرف الهمزة مع النون، عن علي، وعن أبي هريرة، والحفظ والاحصاء عند أهل الظاهر، معرفة ألفاظها ومعانيها، وعند أهل الله، هو الاتصاف بها، والظهور بحقائقها، والعثور على مدارج نتائجها. قوله: (هو) ليس من الأسماء الحسنى، بل هو عند أهل الظاهر ضمير شأن يفسره ما بعده، وعند أهل الله اسم ظاهر يتعبدون بذكره، وعلى كل فهو زائد على التسعة والتسعين. قوله: (الله) هو أعظم الأسماء المذكورة، لكونه جامعاً لجميع الأسماء والصفات، وهو علم الذات الواجب المسمى لجميع المحامد، وأل لازمة له، لا لتعريف ولا غيره، وهو ليس بمشتق على الصحيح. قوله: (الذي لا إله إلا هو) نعت للاسم الجليل، أي الذي لا معبود غيره. قوله: (الرحمن) أي المنعم بجلائل النعم، كما وكيفاً، دنيوية وأخروية، ظاهرة وباطنة. قوله: (الرحيم) أي المنعم بدقائق النعم كماً وكيفاً، دنيوية وأخروية، ظاهرية وباطنية، والدقائق ما تفرعت عن الجلائل، كالزيادة في الإيمان، والعلم والمعرفة والتوفيق والعافية والسمع والبصر. قوله: (الملك) أي المتصرف في خلقه بالإيجاد والإعدام وغير ذلك، وتسمية غيره به مجاز. قوله: (القدوس) أي المنزه عن صفات الحوادث، وأتى به عقب الملك، لدفع توهم يطرأ عليه نقص كالملوك. قوله: (السلام) أي المؤمن من المخاوف والمهالك، أو الذي يسلم على عباده. قوله: (المؤمن) أي المصدق لرسله بالعجزات، ولأوليائه بالكرامات، ولعباده المؤمنين على ايمانهم واخلاصهم، لأنه لا يطلع على الأخلاص نبي مرسل ولا ملك مقرب، وإنما يعلم من الله. قوله: (المهيمن) أي المطلع على خطرات القلوب. قوله: (العزيز) من عز بمعنى غلب وقهر، فهو من صفات الجلال، أو من عز بمعنى قل، فلم يوجد له مثيل ولا نظير، فهو من صفات السلوب. قوله: (الجبار) أي المنتقم القهار، فيكون من صفات الجلال أو المصلح للكسر، يقال: جبر الطبيب الكسر أصلحه، فيكون من صفات الجمال. قوله: (المتكبر) من الكبرياء وهو التعالي في العظمة، وهي مختصة به تعالى، لما في الحديث القدسي:" العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني فيهما قصمته "قوله: (الخالق) أي الموجد للمخلوقات من العدم. قوله: (البارىء) أي المبرىء من الأسقام، أو المظهر لما في الغيب، من برىء بمعنى أظهر ما كان خفياً، فيرجع لمعنى الخالق. قوله: (المصور) أي المبدع للأشكال على حسب إرادته، فأعطى كل شيء من المخلوقات، صورة خاصة، وهيئة منفردة، يتميز بها على اختلافها وكثرتها. قوله: (الغفار) إما مأخوذ من الغفر بمعنى الستر، لأنه يستر على عباده قبائحهم، فيحجبها في الدنيا على الآدميين، وفي الآخرة عن الملائكة، ولو كانت موجودة في الصحف، أو من الغفر بمعنى المحو من الصحف، وهو مرادف للغفور والغافر، وقيل: إن الغافر هو الذي يغفر بعض الذنوب، والغفور الذي يغفر أكثرها، والغفار الذي يغفر جميعها، والصحيح الأول، لأنه لا مبالغة في أسماء الله، بل صيغتها صيغة نسبة، كتمار نسبة للتمر. قوله: (القهار) أي ذو البطش الشديد، فهو من صفات الجلال. قوله: (الوهاب) أي ذو الهبات العظيمة لغير غرض ولا علة، فالطاعات لا تزيد في ملكه شيئاً، وإنما رتب الثواب عليها من فضله وكرمه، وهذا الاسم من صفات الجمال. قوله: (الرزاق) أي معطي الأرزاق لعباده، دنيا وأخرى، قال تعالى:﴿ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا ﴾[هود: ٦] وهو بمعنى الرزاق، والرزق قسمان: ظاهر وهو الأقوات من طعام وشراب ونحو ذلك، وباطن وهو العلوم والأسرار والمعارف، فالأول رزق الأبدان، والثاني رزق الأرواح، وكل من عند ربنا. قوله: (الفتاح) أي ذو الفتح لما كان مغلوقاً، حسياً أو معنوياً، فهو المسهل لكل عسير، من خيري الدنيا والآخرة، فضلاً منه وإحساناً، وهذا وما قبله من صفات الجمال. قوله: (العليم) أي ذو العلم، وهو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى، تتعلق بالواجبات والجائزات والمستحيلات، تعلق احاطة وانكشاف، لا يوصف بنظر ولا ضرورة ولا كسب. قوله: (القابض) أي ذو القبض ضد البسط، فهو جل وعز، قابض للأرزاق والأرواح وغير ذلك، فيكون من صفات الجلال. قوله: (الباسط) أي ذو البسط ضد القبض، فهو سبحانه وتعالى باسط الأرزاق في الدنيا والآخرة والقلوب وغير ذلك، قال تعالى:﴿ وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ ﴾[البقرة: ٢٤٥] وهذان الاسمان يظهر أثرهما في العبيد. وللعارفين مقدمات في القبض والبسط، فالمبتدىء يسمون تجليه قبظاً وبسطاً، والمتوسط يسمونه أنساً وهيبة، والكامل يسمونه جلالاً وجمالاً. قوله: (الخافض) أي لمن أراد خفضه، أي فهو خافض لكلمة الكفر وللظالمين ولكل متكبر وغير ذلك. قوله: (الرافع) أي ذو الرفع لأهل الإِسلام والعلماء والصديقين والأولياء والسماوات والجنة وغير ذلك من الحسي والمعنوي، والأول من صفات الجلال، والثاني من صفات الجمال. قوله: (المعز) أي خالق العز لمن يشاء من خلقه. قوله: (المذل) أي خالق الذل لمن أراد من عباده، والأول من صفات الجمال، والثاني من صفات الجلال. قوله: (السميع) أي ذو السمع، وهو صفة أزلية تتعلق بجميع الموجودات، تعلق احاطة وانكشاف. قوله: (البصير) أي ذو البصر، وهو صفة أزلية تتعلق بجميع الموجودات، تعلق احاطة وانكشاف، فهي مساوية في التعلق لصفة السمع، ولا يعلم حقيقة اختلافهما إلا الله تعالى، وهما مخالفان لتعلق العلم، لأن العلم يتعلق بالمعدومات والموجودات، وهما إنما يتعلقان بالموجودات فقط، وكل منها منزه عن صفات الحوادث، قال بعض العارفين: من أراد خفاء نفسه عن أعين الناس بحيث لا يرونه، فليقرأ عند مروره عليهم﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَٰرُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَٰرَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ﴾[الأنعام: ١٠٣] تسع مرات. قوله: (الحكم) أي ذو الحكم التام. قوله: (العدل) أي ذو العدل أو العادل، فلم يظلم مثقال ذرة، فأحكام الله لا جور فيها، بل دائرة بين الفضل والعدل، لأن الجور التصرف في ملك الغير بغير إذنه، ولا ملك لأحد معه، وأردف الحكم بالعدل، دفعاً لتوهم أن حكمه تارة يكون بالعدل، وتارة يكون بالجور. قوله: (اللطيف) أي العالم بخفيات الأمور، أو معطي الإحسان في صورة الامتحان، كإعطاء يوسف الصديق الملك في صورة الابتلاء لرقيه، وآدم الفوز الأكبر في صورة ابتلائه بأكله من الشجرة واخراجه من الجنة، ونبينا صلى الله عليه وسلم الفتح والنصر المبين في صورة ابتلائه بإخراجه من مكة، وهي سنة الله في عباده الصالحين.- فائدة - من قرأ قوله تعالى:﴿ ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ ﴾[الشورى: ١٩] في كل يوم تسع مرات، لطف الله به في أموره، ويسر له رزقاً حسناً، وكذلك من أكثر من ذكر اللطيف. قوله: (الخبير) أي المطلع على خفيات الأشياء، فيرجع لمعنى اللطيف على التفسير الأول، أو القادر على الإخبار بما عجزت عنه المخلوقات، قال بعضهم: من أراد أن يرى شيئاً في منامه، فليقرأ قوله تعالى﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ﴾[الملك: ١٤] تسع مرات عند نومه. قوله: (الحليم) هو الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه وكفر به بل يمهله، فإن تاب محا عنه خطاياه، ومن أقبح ما تقول العامة: حلم ربنا يفتت الكبود، إذ معناه اعتراض على سعة حلمه، ولا يدرون أنه لولا حلمه علينا لخسف بنا، فسعة حلمه من أجلّ النعم علينا، قال العارف: الحمد لله على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد قدرته. قوله: (العظيم) أي الذي يصغر كل شيء عند ذكره، ولا يحيط به إدراك، ولا يعلم كنه حقيقته سواه، ففي الحديث:" سبحان من لا يعلم قدره غيره، ولا يبلغ الواصفون صفته "، فهو من الصفات الجامعة. قوله: (الغفور) تقدم معناه عند تفسيره اسمه الغفار. قوله: (الشكور) أي الذي يشكر عباده، أي يثني عليهم في الدنيا والآخرة، فيعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، ويرفع ذكرهم في الملإ الأعلى. قوله: (العلي) أي المرتفع المنزه عن كل نقص، المتصف بكل كمال، المستغني عن كل ما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه. قوله: (الكبير) هو والعظيم بمعنى واحد قوله: (الحفيظ) أي الحافظ للعالم العلوي والسفلي، دنيا وأخرى، قال تعالى:﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ ﴾[هود: ٥٧].
قوله: (المقيت) أصله المقوت، نقلت حركة الواو إلى الساكن، قبلها فقلبت الواو ياء لمناسبة ما قبلها، أي خالق القوت للأجساد والأرواح، دنيا وأخرى، وقوت الأجسام: الطعام والشراب ونفعها بذلك وتلذذها به، وقوت الأرواح: الإيمان والأسرار والمعارف وانتفاعهل بها، والكافر لا قوت لروحه. قوله: (الحسيب) أي الكافي من توكل عليه، أو الشريف الذي كل من دخل حماه تشرف، أو المحاسب لعباده على النقير والفتيل والقطمير، في قدر نصف يوم من أيام الدنيا أو أقل. قوله: (الجليل) أي العظيم في الذات والصفات والأفعال، فيرجع لمعنى العظيم والكبير. قوله: (الكريم) أي المعطي من غير سؤال، أو الذي عم عطاؤه الطائع والعاصي. قوله: (الرقيب) أي المراقب الحاضر المشاهد لكل مخلوق المتصرف فيه، وهو أعم من المهيمن، لأنه المطلع على خطرات القلوب، والرقيب المطلع على الظاهر والباطن. قوله: (المجيب) أي لدعوة الداعي، قال تعالى:﴿ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾[غافر: ٦٠].
وفي الحديث:" ما من عبد يقول يا رب إلا قال الله لبيك يا عبدي "قوله: (الواسع) السعة في حقه تعالى، ترجع لنفي الأولية والآخروية والإحاطة، فهو من صفات السلوب، أو يراد منها: أن رحمته وسعت كل شيء، فيكون من صفات الجمال. قوله: (الحكيم) أي ذو الحكمة، وهي العلم التام والصنع المتقن. قوله: (الودود) أي المحبب لعباده الصالحين المحبين الراضي عليهم، قال تعالى:﴿ هَلْ جَزَآءُ ٱلإِحْسَانِ إِلاَّ ٱلإِحْسَانُ ﴾[الرحمن: ٦٠] أو الودود بمعنى المحبوب، لأنه محب ومحبوب، فمحبته لعباده: إنعامه عليهم، أو إرادة إنعامه، فترجع لمعنى الرضا، ومحبة عباده له: ميلهم إليه، وشغلهم به عمن سواه. قوله: (المجيد) أي الشريف، ومثله الماجد. قوله: (الباعث) أي الذي يبعث الأموات، أي يحييهم للحساب، ويبعث الرسل لعباده، لإقامة الحجة عليهم، والأرزاق الدنيوية والأخروية. قوله: (الشهيد) أي المطلع على الظاهر والباطن، فيرجع لمعنى الرقيب، وأما قوله تعالى:﴿ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ﴾[الأنعام: ٧٣] فتسميته غيباً بالنسبة لنا، وإلا فالكل شهادة عنده. قوله: (الحق) أي الثابت الذي لا يقبل الزوال، أزلا ولا أبداً، فيرجع لمعنى واجب الوجود. قوله: (الوكيل) أي المتولي أمور خلقه، دنيا وأخرى. قوله: (القوي) أي ذو القدرة التامة، التي يوجد بها كل شيء ويعدمة على طبق مراده. قوله: (المتين) أي صاحب القوة العظيمة التي لا تعارض، ولا يعتريها نقص ولا خلل. قوله: (الولي) أي الموالي والمتابع للإحسان لعبيده، أو المتولي للخير والشر، بمعنى صدور الكل منه، فيرجع لمعنى الوكيل، ويشهد للأول قوله تعالى:﴿ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾[البقرة: ٢٥٧] الآية، وللثاني قوله تعالى:﴿ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ ﴾[الشورى: ٩] فالله هو الولي، وأما الولي من الخلق، فمعناه الموالي لطاعة ربه، والمداوم عليها، أو من تولى الله أمره، فلم يكله لغيره. وقوله: (الحميد) أي المحمود، أي المستحق الحمد كله، والحمد لعبيده الصالحين، ولنفسه بنفسه. قوله: (المحصي) أي الضابط لعدد مخلوقاته، جليلها وحقيرها، قال تعالى:﴿ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ﴾[الجن: ٢٨].
قوله: (المبدىء) بالهمزة أي المنشىء من العدم إلى الوجود، وأما بغير همزة فمعناه المظهر، وليس مراداً هنا لكون الرواية بالهمزة. قوله: (المعيد) أي الذي يعيد الخلق بعد انعدامهم، قال تعالى:﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ﴾[الروم: ٢٧] وهو أهون عليه، واختلف أهل السنة في تلك الإعادة، قيل عن عدم محض، وقيل عن تفريق أجزاء، قال صاحب الجوهرة: وقل يعاد الجسم بالتحقيق عن عدم وقيل عن تفريققوله: (المحيي) أي المقوم للأبدان بالأرواح للخلائق من العدم، أي الناقل لهم من حالة العدم لحالة الحياة. قوله: (المميت) أي الخالق للموت، وهو عدم الحياة عما من شأنه الحياة، قال تعالى:﴿ خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ ﴾[الملك: ٢].
قوله: (الحي) أي ذو الحياة، وهي في حقه تعالى، صفة أزلية قائمة بذاته يستلزمها اتصافه بالمعاني والمعنوية. قوله: (القيوم) أي القائم بذاته تعالى، المستغني عن غيره، أي المقوم لغيره بقدرته، فهو المتصرف في العالم دنيا وأخرى. قوله: (الواجد) أي الغني، من الوجدان، وهو عدم نفاد الشيء، بمعنى أنه لو أغنى الخلق جميعاً، وأعطاهم سؤلهم، لم ينقص من ملكه، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. قوله: (الماجد) هو بمعنى المجيد المتقدم، وهو الشريف أو واسع الكرم. قوله: (الواحد) أي الذي لا ثاني به في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله فهو مستلزم لنفي الكموم الخمسة: المتصل والمنفصل في الذات، والمتصل والمنفصل في الصفات، والمنفصل في الأفعال، والمتصل فيها لا ينفى، بل هو تعلق القدرة والإرادة في سائر الكائنات ايجاداً واعداماً، فلا غاية له، قال تعالى:﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾[الرحمن: ٢٩] أي كل لحظة ولمحة في شؤون يبديها ولا يبتديها، والوحدة في غيره نقص، وفي حقه كمال، كما ورد أنه واحد لا من قلة، بل وحدة تعزز وانفراد وتكبر، لانعدام الشبيه والنظير والمثيل، وفي بعض النسخ زيادة لفظ الأحد، وهو بمعنى الواحد، والصواب اسقاطه، لأنه ليس ثابتاً في حديث الترمذي الذي نسب الحديث إليه. قوله: (الصمد) أي الذي يقصد في الحوائج، فهو كالدليل للوحدانية. قوله: (القادر) أي ذو القدرة التامة، وهي صفة أزلية قائمة بذاته تعالى، تتعلق بالممكنات ايجاداً واعداماً على وفق الإرادة. قوله: (المقتدر) مبالغة في القدرة التي لا شبيه لها ولا مثيل ولا نظير، فيرجع لمعنى القوي المتين. قوله: (المقدم) بكسر الدال، أي لمن أراد من عباده. قوله: (المؤخر) أي لمن أراد تأخيره، قال تعالى:﴿ قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ ﴾[آل عمران: ٢٦] الآية. قوله: (الأول) أي الذي لا افتتاح لوجوده. قوله: (الآخر) أي الذي لا انتهاء لوجوده. قوله: (الظاهر) أي الذي ليس فوقه شيء، ولا يغلبه شيء، أو الظاهر بآثاره وصنعه، ومن الحكم: هذه آثارنا تدل علينا، قال تعالى:﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾[الرحمن: ٢٩].
قوله: (الباطن) أي الذي ليس أقرب منه شيء، أو الذي تحجب عنا بجلاله وهيبته، فلا تراه الأبصار في الدنيا، ولا تدرك حقيقته لأحد، دنيا ولا أخرى، وقد جمعت هذه الأسماء الأربعة في قوله صلى الله عليه وسلم:" اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر "قوله: (الوالي) أي المتولي على عباده، بالتصرف والقهر والإيجاد والإعدام، فيرجع لمعنى الملك. قوله: (المتعالي) أي أي المنزه عن صفات الحوادث، فيرجع لمعنى القدوس، وأتى به عقب الوالي، لدفع توهم طرو نقص عليه كالولاة. قوله: (البر) أي المحسن لعباده، الطائعين والعاصين. قوله: (التواب) أي كثير التوبة لعباده المذنبين، أي يقبل توبتهم إن تابوا، أو الذي يخلق التوبة في العبد فتظهر فيه، قال تعالى:﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴾[التوبة: ١٨]، وقال تعالى:﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾[الشورى: ١١٨].
قوله: (المنتقم) أي المرسل للنقم والعذاب على الكفار والجبابرة، الذين ماتوا مصرين على ذلك، فهو من صفات الجلال كقهار. قوله: (العفو) أي الذي لا يؤاخذ المذنب بالذنوب، بل يمحوها ويبدلها بحسنات. قوله: (الرؤوف) من الرأفة وهي شدة الرحمة، ومعناها بحقه تعالى: الانعام أو إرادته. قوله: (مالك الملك) أي المتصرف فيه على ما يريد ويختار، قال تعالى:﴿ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾[الرعد: ٤١].
قوله: (ذو الجلال) أي صاحب الهيبة والعظمة، وقوله: (والإكرام) أي الانعام والاحسان. قوله: (المقسط) أي الذي يحكم بالانصاف بين خلقه، وضده القاسط بمعنى الجائر. قوله: (الجامع) أي لكل كمال أو للخلق يوم القيامة، قال تعالى:﴿ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ ﴾[الشورى: ٢٩] أو ما هو أعم وهو أولى. قوله: (الغني) أي ذو الغنى المطلق، وهو المستغني عن كل ما سواه، المفتقر إليه كل ما عداه. قوله: (المغني) أي المعطي الغنى لمن يشاء، دنيا وأخرى، قال تعالى:﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ﴾[النجم: ٤٨].
قوله: (المانع) أي الرافع عن عبيد المضار الدنيوية والأخروية، قال تعالى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ ﴾[الحج: ٣٨]﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ ﴾[البقرة: ٢٥١].
قوله: (الضار) أي خالق الضر ضد النفع، وهو إيصال الشر لمن شاء من عباده. قوله: (النافع) أي خلق النفع ضد الضر، وهو إيصال الخير لمن شاء من عباده، دنيا وأخرى. قوله: (النور) أي الظاهر في نفسه المظهر لغيره، أو خالق النور. قوله: (الهادي) أي خالق الهدى والرشاد، الموصل له من أحب من عباده. قوله: (البديع) أي المبدع والمحكم كل شيء صنعه، أو المخترع الأشياء على غير مثال سابق. قوله: (الباقي) أي الدائم الذي لا يزول ولا يحول. قوله: (الوارث) أي الباقي بعد فناء خلقه، أو الذي يرجع إليه كل شيء، قال تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ ٱلأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾[مريم: ٤٠]﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾[القصص: ٨٨]﴿ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ ﴾[الشورى: ٥٣].
قوله: (الرشيد) أي صاحب الرشد، وهو الذي يضع الشيء في محله، أو خالق الرشد في عباده، فيرجع لمعنى الهادي. قوله: (الصبور) أي الذي لا يعجل بالعقوبة على من عصاه، فيرجع لمعنى الحليم، والله أعلم بحقيقة معاني أسمائه وأسرارها. قوله: (رواه الترمذي) أي عن أبي هريره، وأعلم أن للعارفين في استعمال هذه الأسماء طرقاً، فمنهم من يستعملها نثراً، ومنهم من يستعملها نظماً، كالشيخ الدمياطي، وسيدي مصطفى البكري، وغيرهما، وأجل ما تلقيناه، منظومة أستاذنا بركة الوقت والزمان، وإمام العصر والأوان، القطب الشهير والشهاب المنير، أبو البركات، مهبط الرحمات، الذي عم فضله الكبير والصغير، شيخنا الشيخ أحمد بن محمد الدردير، فإنها عديمة النظير، لاحتوائها على الدعوات الجامعة، والأسرار اللامعة، بمظاهر تلك الأسماء، وهي آخر العلوم الإلهية التي ظهرت على لسانه، وقد ألقيت عليه في ليلة واحدة، فقام من فراشه وكتبها، وكان يقرؤها في كل يوم وليلة ثلاث مرات، فمن أراد الفوز الأكبر، والظفر بالمقصود، من خيري الدنيا والآخرة، فعليه بحفظها والمواظبة عليها، صباحاً ومساء، ومن أراد الاطلاع على بعض معانيها وفوائدها، فعليه بشرحنا عليها، فإن فيه النفع التام إن شاء الله تعالى. قوله: ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾ سبب نزولها كما قال ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مختفياً بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه، رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون، سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه ﴿ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ﴾ أي بقراءتك، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم، وابتغ بين ذلك سبيلاً، وهذا الأمر قد زال من يوم إسلام عمر والحمزة فهو منسوخ، فللمصلي الجهر في الصلاة الجهرية، ولا يزيد على سماع المأمومين، وقيل نزلت في الدعاء، وروي ذلك عن عائشة وجماعة، ومثل الدعاء سائر الأذكار، فلا يجهر بها، ولا يخافت بها، بل يكون بين ذلك قواماً، وعلى هذا القول فالآية غير منسوخة، بل العمل بها، مستمر. قوله: ﴿ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ﴾ المخافتة عدم رفع الصوت، يقال خفت الصوت إذا سكن. قوله: (لينتفع أصحابك) علة للنهي عن المخافتة. قوله: ﴿ وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ أي لم يكن له ولد لاستحالته عليه. قوله: (الألوهية) أي لم يكن له مشارك في ألوهيته، إذ لو كان معه مشارك فيها، لما وجد شيء من العالم، قال تعالى:﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾[الأنبياء: ٢٢] وقال تعالى:﴿ مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ﴾[المؤمنون: ٩١].
قوله: ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ ٱلذُّلِّ ﴾ أي لم يكن له ناصر يمنع عنه الذل، لاستحالته عليه عقلاً، واستفيد من الآية أن له أولياء، لا من أجل الذل، بمعنى أنه ينصرهم ويتولى أمورهم، مع استغنائه عنهم كاستغنائه عن الكفار، وإنما اختيارهم وتسميتهم أولياء وأحباباً، فمن فضله واحسانه، وكما أنه يستحيل عليه الولي، بمعنى الناصر له من الذل، يستحيل عليه العدو، بمعنى الموصل الأذى إليه، وأما بمعنى أنه مغضوب عليه وليس راضياً بأفعاله غهو واقع. قوله: (أي لم يذل) أي لم يجر عليه وصف الذل، لا بالفعل ولا بالقوة. قوله: (عظمة عظمة) أي نزهه عن كل نقص. قوله: (وترتيب الحمد) الخ، دفع بذلك ما يقال: إن المقام للتنزيه لا للحمد، لأن الحمد يكون في مقابلة نعمه، وهنا ليس كذلك. أجيب: بأن الله كما يستحق الحمد لأوصافه، يستحقه لذاته. قوله: (آية العز) أي التي من قرأها مؤمناً بها حصل له العز والرفعة، وورد في عدة استعمالها، أنها ثلاثمائة وأحد وخمسون كل يوم، ويقول قبلها: توكلت على الحي الذي لا يموت، الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً إلى آخرها. قوله: (جلال الدين المحلي) كان على غاية من العلم والعمل والزهد والورع والحلم، حتى كان من أخلاقه أنه يقضي حوائج بيته بنفسه، مع كونه كان عنده الخدم والعبيد. قوله: (وقد أفرغت فيه) والضمير عائد على ما في قوله: (آخر ما كملت به) وكذا بقية الضمائر. قوله: (جهدي) بفتح الجيم وضمها أي طاقتي. قوله: (وبذلت فكري) الفكر قوة في النفس، يحصل بها التأمل. قوله: (في نفائس) أي دقائق ونكات مرضية. قوله: (أراها) بفتح الهمزة وضمها. قوله: (تجدي) أي تنفع. قوله: (قدر ميعاد الكليم) أي وهو أربعون يوماً، لأنه سيأتي أنه ابتدأ فيه أول يوم رمضان، وختمه لعشرة من شوال، وفي ذلك إشارة إلى أن في هذه المدة، حصل لموسى الفتح، وإعطاء التوراة وهي كلام الله، فقد خلعت عليّ خلعة من خلعه، حيث فتح عليّ في تلك المدة، بخدمة كلام الله، والأخبار بذلك من باب التحدث بالنعمة، فإن هذا الزمن عادة، لا يسع هذا التأليف إلا بعناية من الله، سيما مع صغر سن الشيخ حينئذ، فإنه كان عمره أقل من ثنتين وعشرين سنة بشهور. قوله: (وهو) أي ما كملت به. قوله: (مستفاد من الكتاب المكمل) هذا تواضع من الشيخ، وإشارة إلى أنه حذا حذوه واقتفى أثره، فالشيخ المحلي قدس الله روحه، قد سن سنة حسنة لليخ السيوطي، فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. قوله: (وعليه) أي الشيخ أو الكتاب المكمل، وهو متعلق بمحذوف خبر مقدم، و(الاعتماد) مبتدأ مؤخر، وقوله: (في الآي) الخ، متعلق بالاعتماد (المعول) معطوف على الاعتماد، عطف مرادف. قوله: (بعين الانصاف) إما على حذف مضاف، أي بعين صاحب الانصاف، أو في الكلام استعارة بالكناية، حيث شبه الانصاف بإنسان ذي عين، وطوى ذكر المشبه به، ورمز له بشيء من لوازمه وهو العين، فإثباته تخييل واحترز بعين الانصاف من عين الاعتساف، فإنها لا ترى محاسن أصلاً كما قال العارف: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساوياقوله: (ووقف على خطأ) أي اطلع عليه. قوله: (فأطلعني) أي دلني عليه وعرفني به. قوله: (وقد قلت) أي شاكراً لله سالكاً سبيل الاعتذار. قوله: (إذ هداني) أي لأجل هدايته لي. قوله: (لما أبديت) متعلق بهداني. قوله: (فمن لي بالخطأ) أي من يتكفل لي بإظهار الخطأ. قوله: (فأرد عنه) أي أجيب عنه أو أصلحه. قوله: (ومن لي بالقبول) أي من يبشرني بالقبول من الله لهذا التأليف ولو حرفاً، لأن القبول من رحمة الله ومن رحمه لا يعذبه. قوله: (هذا) أي افهم وتأمل ما ذكرته لك. قوله: (في خلدي) بفتحتين معناه البال والقلب. قوله: (لذلك) أي لتأليف تلك التكملة. قوله: (المسالك) أي مسالك التفسير الذي هو أصعب العلوم، لاحتياجه إلى الجمع بين المعقول والمنقول. قوله: (وعسى الله) هذا ترج من الشيخ رضي الله عنه، وقد حقق الله رجاءه. قوله: (جماً) بفتح الجيم أي كثيراً. قوله: (غلفاً) أي معطاة ممنوعة من فهم علم التفسير لصعوبته قوله: (عمياً) أي لا تبصر، فإذا نظرت فيه وتأملته فأرجو أن يزول عنها العمى لتبصره وتدركه. قوله: (وآذاناً صماً) أي فبسماعه يزول عنها الصمم، وتصير مستمعة لدقائق التفسير. قوله: (وكأني بمن اعتاد المطولات) أي ملتبس بمن اعتاد، فالباء للملابسة، ويصح أن تكون بمعنى من، والمعنى وكأني قريب ممن اعتاد الخ. قوله: (وقد أضرب) أي أعرض. قوله: (وأصلها) أي وهي قطعة الجلال المحلي. قوله: (حسماً) الحسم المنع والقطع، وهو مفعول مطلق مؤكد لعامله المعني الذي هو أعرض، كأنه قال وقد أعرض إعراضاً. قوله: (وعدل) أي مال. قوله: (إلى صريح العناد) من إضافة الصفة للموصوف، أي العناد الصريح. قوله: (ومن كان في هذه) أي التكملة مع أصلها، وفي بمعنى عن، وقوله: (أعمى) اي معرضاً عنها، وغير واقف على دقائقها، وقوله: (فهو في الآخرة) المراد بها المطولات، وقوله: (أعمى) أي غير فاهم لها، وهو اقتباس من الآية الشريفة، والاقتباس تضمين الكلام شيئاً من القرآن أو الحديث، لا على أنه منه. قوله: (رزقنا الله) الخ، هذا الضمير وما بعده لما كمل به. قوله: (هداية) أي وصولاً للمقصود. قوله: (على دقائق كلماته) أي القرآن. قوله: (مع الذين أنعم الله عليهم) المراد بالمعية أنه يستمتع فيها برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان كل في منزلته. قوله: (فرغ من تأليفه) أي جمعه وتسويده بدليل قوله: (وفرغ من تبييضه). قوله: (سنة سبعين وثمانمائة) أي وذلك بعد وفاة الجلال المحلي بست سنين. قوله: (وفرغ من تبييضه) أي تحريره ونقله من المسودة. قوله: (سادس صفر) أي فكانت مدة تحريره أربعة أشهر إلا أربعة أيام. قوله: (السيوطي) بضم السين نسبة لسيوط قرية بصعيد مصر، واعلم أنه قد وجد بعد ختم هذه التكملة، مما هو منقول عن خط السيوطي ما نصه: قال الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الخطيب الطوخي، أخبرني صديقي الشيخ العلامة كمال الدين المحلي الخ، فليس من تأليف السيوطي، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، قال مؤلفه: وكان الفراغ من تسويد هذا الجزء. يوم الخميس المبارك، ثالث عشر شعبان، سنة خمس وعشرين ومائتين وألف من هجرة من له العز والشرف، عليه أفضل الصلاة والسلام بمشهد الإمام الحسين رضي الله عنه تعالى عنه وعنا. يشير إلى اعتراض فيها بلطف، ومصنف هذه التكملة كلما أورد عليه شيئاً يجيبه والشيخ يبتسم ويضحك. قال شيخنا الإمام العلامة جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي مصنف هذه التكملة: الذي أعتقده وأجزم به، أن الوضع الذي وضعه الشيخ جلال الدين المحليّ رحمه الله تعالى في قطعته، أحسن من وضعي أنا بطبقات كثيرة، كيف وغالب ما وضعته هنا مقتبس من وضعه ومستفاد منه، لا مرية عندي في ذلك، وأما الذي رئي في المنام المكتوب اعلاه، فلعل الشيخ أشار به إلى المواضع القليلة التي خالفت وضعه فيها لنكتة وهي يسيرة جداً، ما أظنها تبلغ عشرة مواضع، منها: أن الشيخ قال في سورة ص: والروح جسم لطيف، يحيا به الإنسان بنفوذه فيه، وكنت تبعته أولاً، فذكرت هذا الحد في سورة الحجر، ثم ضربت عليه لقوله تعالى:﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾[الإسراء: ٨٥] الآية، فهي صريحة في أن الروح من علم الله تعالى لا نعلمه، فالإمساك عن تعريفها أولى، ولذا قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في جميع الجوامع: والروح لم يتكلم عليها محمد صلى الله عليه وسلم فنمسك عنها. ومنها أن الشيخ قال في سورة الحج: الصابئون فرقة من اليهود، فذكرت ذلك في سورة البقرة وزدت أو النصارى بياناً لقول ثان، فإنه المعروف خصوصاً عند أصحابنا الفقهاء، وفي المنهاج: وإن خالفت السامرة اليهود، والصابئة النصارى في أصل دينهم حرمن، وفي شروحه: أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن الصابئين فرقة من النصارى، ولا أستحضر الآن موضعاً ثالثاً، فكأن الشيخ رحمه الله تعالى يشير إلى مثل هذا، والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.