قوله: ﴿ قَالَ رَبُّكَ ﴾ أي على لسان ملك أو إلقاء في القلب، وأما الخطاب جهراً مشافهة، فلم يكن لغير موسى وسيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام. قوله: (وأفتق) من باب نصر أي أشق. قوله: (للعلوق) بفتح العين أو المني ويصح ضمها مصدر علق. قوله: ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ ﴾ الجملة حالية. قوله: (ولما تاقت نفسه) أي تطلعت وتشوقت، وأشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ قَالَ رَبِّ ٱجْعَل لِيۤ آيَةً ﴾ مرتب على محذوف. قوله: (إلى سرعة المبشر به) أي بعلامة تدل على حصوله بالفعل، وليس عند زكريا شك في إجابة الله دعاءه، بل قصد تعجيل المسرة ليزداد فرحاً وشكراً. قوله: (أي تمنع) أي قهراً بلا آفة. قوله: (أي بأيامها) أشار بذلك إلى وجه الجمع بين ما هنا وبين آية آل عمران. وحكمة ذكر الليالي هنا، أن الليل سابق على النهار، وهذه السورة مكية، والمكي مقدم على المدني، وآل عمران مدنية، فأعطى السابق للسابق، والمتأخر للمتأخر. قوله: (حال من فاعل تكلم) أي ينعدم منك الكلام حال كونك سليماً، لم يطرأ عليك آفة ولا علة تمنعك من الكلام، ويصح أن يكون صفة لثلاث، أي ثلاثاً كاملات لا نقص فيهن. قوله: ﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ﴾ أي متغير اللون، عاجزاً عن الكلام، فأنكر ذلك عليه وقالوا له: ما لك؟ فأشار إليهم أن صلوا بكرة وعشياً. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمِحْرَابِ ﴾ يطلق على الغرفة، وصدر البيت، وأكرم مواضعه، ومقام الإمام من المسجد، والموضع ينفرد به الملك وعلى المسجد جميعه، فالمحراب المعروف الآن يوافق اللغة قديماً. قوله: (أي المسجد) أي موضع الصلاة. قوله: (وكانوا ينتظرون فتحه) أي فكان مقيماً به، ولا يفتحه إلا وقت الصلاة، ولا يدخلونه إلا بإذنه. قوله: (أشار) ﴿ إِلَيْهِمْ ﴾ أي بأصبعه وقيل كتب لهم. قوله: (أوائل النهار وأواخره) أي فالمراد بالصلاة في هذين الوقتين، صلاة الصبح وصلاة العصر، والمعنى صلوا صلاتكم على عادتكم، ولا تنتظروني أكلمكم، بل دعوني وحالي. قوله: (فعلم) أي زكريا. قوله: (وبعد ولادته) الخ، قدر ذلك إشارة إلى أن قوله: ﴿ يٰيَحْيَىٰ ﴾ الخ، مرتب على محذوف. قوله: (قال تعالى له) أي على لسان الملك. قوله: ﴿ خُذِ ٱلْكِتَابَ ﴾ أي اعمل بأحكامه، وليس المراد اشتغل بحفظه في المكتب مثلاً، لأن الله ألقاه على قلبه بمجرد قوله: ﴿ خُذِ ٱلْكِتَابَ ﴾.
قوله: ﴿ بِقُوَّةٍ ﴾ أي بجد واجتهاد، وإما أمر بذلك، لأن كلام الله عظيم جليل القدر، فيحتاج للاهتمام به والاجتهاد فيه، ومن هنا ينبغي لطالب العلم الجد والاجتهاد فيه، ولا يتراخى في طلبه، فإنك إن أعطيت العلم كلك، أعطاك بعضه، وإن أعطيته بعضك، لم يعطك شيئاً منه، ولذا قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: أَخِي لَنْ تَنَالَ الْعِلم إِلاَّ بِستة سَأُنبيك عَنْهَا مخبراً بِبَيَانذكاء وَحِرْص وَاجْتِهَاد وَبِلُغَة نَصيحة أستاذ وَطُول زَمَانولم يأمر الله سيدنا محمداً بتلقي ما أوحى بقوة، لأن الله أعطاه عزماً وقة عظيمة، فلم يحتج للأمر، بل قيل له (إنا سنقلي عليك قولاً ثقيلاً). قوله: (ابن ثلاث سنين) أي فأحكم الله عقله وقوى فهمه، وقولهم النبوة على رأس الأربعين، محله في غير يحيى وعيسى على ما يأتي، وقيل المراد بالحكم فهم التوراة وقراءتها، وأما النبوة فتأخرت للأربعين كغيره. قوله: ﴿ وَحَنَاناً ﴾ أي رحمة ورقة في قلبه، وتعطفاً على الناس. قوله: (صدقة عليهم) أي توفيقاً للتصدق، وقيل المراد بالزكاة طهارته من الأوساخ، أو طهارة من اتبعه، أو المراد أن الله تصدق به على والديه. قوله: ﴿ وَكَانَ تَقِيّاً ﴾ أي مجبولاً على التقوى، ومن جملة تقواه، أنه كان يتقوت بالعشب، وكان كثير البكاء، فكان لدمعه مجار على خده. قوله: (ولم يهم بها) أي لم تخطر بباله، ولا خصوصية له بذلك، بل جميع الأنبياء كذلك. قوله: (عاصياً لربه) أشار بذلك إلى أن المبالغة ليست مرادة، بل المنفي أصل العصيان لا المبالغة. قوله: ﴿ وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ ﴾ أي أمان له من المخاوف ونكرهنا، وعرف في قصة عيسى، لأن ما هنا حاصل من الله، والقليل منه كثير، وما ذكر في قصة عيسى آل فيه للعهد أي السلام والمعهود، وهو الكائن من الله. قوله: ﴿ يَوْمَ وُلِدَ ﴾ أي من أن يناله الشيطان بمكروه. قوله: ﴿ وَيَوْمَ يَمُوتُ ﴾ أي من عذاب القبر. قوله: ﴿ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَياً ﴾ أي من هول الموقف، ولا ينافي هذا ما ورد أن الأنبياء يوم القيامة يجثون على الركب ويقولون: رب سلم سلم، لأن جلال الله محيط بهم، فهم خائفون من هيبته وجلاله، لا من عذابه وعقابه، لصدق وعد الله في تأمينهم، فلا يخلف وعده. بقي شيء آخر وهو أنه ورد أن يحيى قتل في حياة والده، فكيف ذلك مع طلبه ولداً يرثه، وإجابة الله له بقوله: (كذلك هو علي هين). أجيب: بأن هذه الرواية ضعيفة، والحق أنه عاش بعد أبيه الزمن الطويل، وحينئذ فقد سقط السؤال والجواب.