قوله: ﴿ فَٱخْتَلَفَ ٱلأَحْزَابُ ﴾ أي أن النصارى تحزبوا وتفرقوا في شأن عسى بعد رفعه إلى السماء أربع فرق: اليعقوبية والنسطورية والملكانية والإسلامية، لما روي أنه اجتمع بنو إسرائيل، فأخرجوا منهم أربعة نفر، من كل قوم عالمهم، فامتروا في شأن عيسى حين رفع، فقال أحدهم: هو الله هبط إلى الأرض، فأحيا من أحيا، وأمات من أمات، ثم صعد إلى السماء، وهم اليعقوبية، فقالت الثلاثة: كذبت. ثم قال اثنان منهم للثالث: قل فيه، قال: هو ابن الله، وهم النسطورية، قال الاثنان: كذب: ثم قال أحد الاثنين للآخر: قل فيه، فقال: هو ثاث ثلاثة، الله إله وهو إله، وأمه إله، وهم الملكانية. قال الرابع: كذبت بل هو عبد الله ورسوله وكلمته، وهم المسلمون وكان لكل رجل منهم أتباع على ماقال، فاقتتلوا وظهروا على المسلمين، وكفر الفرقة الأخيرة بعدم اتباعهم لنبينا صلى الله عليه وسلم من حين البعث، وأما الذين اتبعوه منهم، فهم الذين يعطون أجرهم مرتين، كالنجاشي وأتباعه، وهم الذين قال تعالى فيهم:﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾[المائدة: ٨٢] الآيات. قوله: (فشدة عذاب) وقيل المراد بالويل واد في جهنم، يأكل الحجارة والحديد، قوتهم فيه الجيف. قوله: ﴿ مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ يطلق المشهد على الشهادة وعلى الحضور، وهو المراد هنا، وسمي بذلك لشهادة الأعضاء عليهم بما كسبوا، قال تعالى:﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾[النور: ٢٤].
قوله: ﴿ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ ﴾ هو فعل ماض جاء على صورة الأمر، ومعناه التعجب، وإعرابه: أسمع فعل ماض للتعجب، والباء زائدة، والضمير فاعله، وأبصر مثله، وحذف بهم من الثاني لدلالة الأول عليه، وليس المراد التعجب من المتكلم وهو الله لاستحالته عليه، بل المراد التعجيب، وهو حمل المخاطب على التعجب، أي اعجبوا يا عبادي، من شدة سمعهم وبصرهم في ذلك اليوم. قوله: (من إقامة الظاهر مقام المضمر) أي أشار إلى أن من اتصف بصفاتهم يسمى ظالماً. قوله: ﴿ فِي ضَلاَلٍ ﴾ أي خطأ وعدم اهتداء للحق. قوله: (به صموا) أي بسبب الضلال حصل لهم الصمم الخ في الدنيا، فالعجب منهم في الحالتين، شدة الإسماع والإبصار في الآخرة؛ وضدهما في الدنيا. قوله: (يوم القيامة) أي وله أسماء كثيرة منها: يوم الدين، ويوم الجزاء، ويوم الحساب، والحاقة، والقارعة، واليوم الموعود، وغير ذلك. قوله: (يتحسر فيه المسيء) الخ، أي والمحسن على ترك الزيادة في الإحسان، كما في الحديث. قوله: ﴿ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ ﴾ أي حكم وأمضى، وذلك أنه ورد: إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، يؤتى بالموت في صورة كبش، فيذبح بين الجنة والنار، وينادي المنادي: يا أهل الجنة خلود بلا موت، ويا أهل النار خلود بلا موت، فعند ذلك يزداد أهل النار حسرة على حسرتهم، وأهل الجنة فرحاً على فرحهم. قول: ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ ﴾ الجملة الحالية، وكذا قوله: ﴿ وَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ وهذا الإنذار لكل مكلف، وإنما خصه المفسر بأهل مكة لأنهم سبب نزولها، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. قوله: (بإهلاكهم) أي فلا يبقى حي سوى الله تعالى لما ورد: أن الله تعالى ينادي بعد انقراض الدنيا بأهلها: لمن الملك اليوم؟ فيجب نفسه بقوله: لله الواحد القهار. قوله: ﴿ وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ أي يردون فيجازى كل أحد بما قدمه من خير وشر.


الصفحة التالية
Icon