قوله: ﴿ أُولَـٰئِكَ ﴾ اسم الإشارة عائد على الأنبياء المذكورين في هذه السورة وهم عشرة، أولهم زكرياً وآخرهم إدريس كما تقدم. قوله: (صفة له) أي لاسم الإشارة، أي أولئك الموصوفون بإنعام الله عليهم، وذلك أن الله لما وصف كلاً من الأنبياء بأوصاف تخصه أولاً، ذكر ثانياً لهم صفة تعمهم. قوله: (بيان لهم) أي للمنعم عليهم. قوله: (أي إدريس) تفسير للذرية، أي إن إدريس من ذرية آدم، لأنه تقدم أنه ابن شيث بن آدم. قوله: ﴿ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا ﴾ أي ومن ذرية من حملنا. قوله: (أي إبراهيم) تفسير لبعض ذرية من حمل مع نوح، لأن من حمل معه أولاده الثلاثة، وإبراهيم من ذرية أحدهم وهو سام، لكن بوسائط، فإن بين إبراهيم ونوح عشرة قرون. قوله: (وعيسى) أي فأولاد البنات من الذرية، والحاصل أن من ذرية آدم لصلبه إدريس، ومن ذرية نوح بوسائط إبراهيم ومن ذريته إسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن ذرية يعقوب موسى وهارون ويحيى وعيسى. قوله: ﴿ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا ﴾ عطف على ﴿ مِن ذُرِّيَّةِ ءَادَمَ ﴾ زيادة في تمجيدهم. قوله: ﴿ خَرُّواْ سُجَّداً وَبُكِيّاً ﴾ أي أن الأنبياء إذا سمعوا آيات الله التي خصهم بها في الكتب المنزلة عليهم، سجدوا وبكوا خضوعاً وخشوعاً. قوله: (وباك) أي على غير قياس، وقياسه بكاة كقاض وقضاة. قوله: (فكونوا مثلهم) أي في السجود والخشوع والخضوع والبكاء عند تلاوة القرآن كما في الحديث:" اتلوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا ". قوله: ﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ ﴾ أي وجد من بعد النبيين. قوله: ﴿ خَلْفٌ ﴾ هو بالسكون في الشر، وبالفتح في الخير، يقال خلف سوء وخلف صدق. قوله: (هو واد في جهنم) أي تستعيذ من حره أوديتها. قوله: ﴿ إِلاَّ مَن تَابَ ﴾ قدر المفسر لكن إشارة إلى أن الاستثناء منقطع، لأن المستثنى المؤمنون والمستثنى منه الكفار. قوله: (بدل من الجنة) قال بعضهم: إنه يدل كل من بعض، لأن الجنة بعض الجنات، ورد بأن أل في الجنة جنسية، فهو بدل كل من كل. قوله: (أي غائبين عنها) أي غير مشاهدين لها، لأن الوعد حاصل في الدنيا، ومن فيها لا يشاهد الجنة. قوله: (أي موعوده) أي الذي وعد به من الجنة وغيرها له. قوله: (بمعنى آتياً) أي فاسم المفعول بمعنى اسم الفاعل. قوله: (أو موعوده) الخ أشار لتفسير آخر، وعليه فاسم المفعول باق على ما هو عليه، وحينئذ فيكون المراد بالموعود خصوص الجنة. قوله: ﴿ لَغْواً ﴾ هو الكلام الزائد المستغنى عنه. قوله: (لكن يسمعون) ﴿ سَلاَماً ﴾ أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع، لأن السلام ليس من جنس اللغو. قوله: (وليس في الجنة نهار ولا ليل) وإنما يعرفون الليل، بارخاء الحجب وغلق الأبواب، والنهار بفتحها ورفع الحجب كما روي، وليس معرفة الليل للاستراحة فيه والنوم، إذ لا نوم ولا تعب فيها، بل ذلك على عادة الملوك في الدنيا، من تهيئة تحف في الصباح والمساء ليتم نظامهم. قوله: ﴿ تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ﴾ إسم الإشارة عائد على الجنة في قوله: ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً ﴾ وأتى باسم الإشارة البعيد، إشارة لعلو رتبتها ورفيع منزلتها. قوله: ﴿ نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ عبر بالميراث إشارة إلى أنهم يعطونها عطاء لا يرد ولا يبطل، كالميراث. قوله: ﴿ مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾ أي سعيداً، وهو من مات على كلمة الإخلاص، ولو مصراً على الكبائر فمآله للجنة، وإن أدخل النار وعذب فيها بقدر جرمه، لأن الجنة جعلت مسكناً للموحدين، والنار جعلت مسكناً للمشركين، ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى في سورة فاطر:﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾[فاطر: ٣٢] إلى أن قال:﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا ﴾[فاطر: ٣٣].
وقوله صلى الله عليه وسلم:" من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، وإن زنى وإن سرق وإن شرب الخمر "ولكن الجنة مراتب ودرجات، على حسب التفاوت في الأعمال الصالحة. قوله: (بطاعته) أي ولا بمجرد الإسلام. قوله: (ونزل لما تأخر الوحي) أي حين سأله اليهود، عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين، فقال: أخبركم غداً، ولم يقل إن شاء الله، فتأخر الوحي حتى شق على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نزل بعد أربعين يوماً، وقيل خمسة عشر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبطأت علي حتى ساءني واشتقت إليك، فقال جبريل: إني كنت أشوق، ولكني عبد مأمور، إذا بعثت نزلت، وإذا حبست احتبست. قوله: (أكثر مما تزورنا) هذا عتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل، كأنه قال له: إن شوقي إليك في ازدياد، فكان الرجاء فيك الزيارة لا الهجر.


الصفحة التالية
Icon