قوله: ﴿ قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ﴾ أي لما شاهد فرعون من السحرة السجود والإقرار، خاف أن يقتدي الناس بهم في الإيمان بالله وحده، فألقى شبهتين: الأولى قوله: ﴿ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ﴾ أي لم تشاوروني ولم تستعينوا بنظر غيركم، بل في الحال آمنتم له، فحينئذٍ دل ذلك على أن إيمانكم ليس عن بصيرة، بل بسبب آخر، الثانية قوله: ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِي عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ ﴾ أي فأنتم أتباعه في السحر، فتوطأتم معه على أن تظهروا العجز من أنفسكم، ترويجاً لأمره وتفخيماً لشأنه، لتنزعوا الملك مني، وهاتان الشبهتان لا يقبلهما إلا من عنده تردد أو شك، وأما من كشف الله عنه الحجاب كالسحرة، فلا يدخل عليه شيء من ذلك، لظهور شمس الهدى واتضاحها لهم. قوله: (بتحقيق الهمزتين) أي الأولى وهي للاستفهام، والثانية وهي المزيدة في الفعل الرباعي، وقوله: (وإبدال الثانية ألفاً) صوابه الثالثة، وهي فاء الكلمة، فيكون في كلامه إشارة لقراءة واحدة، أو يقال إن معنى قوله: (الثانية) أي في الفعل، بقطع النظر عن همزة الاستفهام، وبقيت قراءة أخرى وهي تسهيل الثانية، والثلاث سبعيات، ولا يتأتى هنا الرابعة المتقدمة في الأعراف، وهي قلب الأولى واواً، لعدم الضمة قبلها هنا، بخلاف ما تقدم، فإنها تقدمها ضمة، ونص الآية: قال فرعون أآمنتم، وأصل الفعل أأمن كأكرم بهمزتين، الأولى زائدة، والثانية فاء الكلمة، قلبت الثانية ألفاً على القاعدة، قال ابن مالك: ومدا ابدل ثاني الهمزتين من   كلمة إن يسكن كآثر وائتمنثم دخلت همزة الاستفهام. قوله: ﴿ مِّنْ خِلاَفٍ ﴾ ﴿ مِّنْ ﴾ ابتدائية أي فالقطع ابتدئ، من مخالفة العضو للعضو. قوله: (أي عليها) أشار بذلك إلى أن في الكلام استعارة تبعية، حث شبه الاستعلاء المطلق بالظرفية المطلقة، فسرى التشبيه من الكليات للجزئيات، فاستعيرت لفظة في الموضوعة للظرفية الخاصة، لمعنى على الموضوعة للاستعلاء الخاص بجامع التمكن في كل. قوله: (على مخالفته) متعلق بكل من أشد وأبقى. قوله: ﴿ قَالُواْ لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَآءَنَا ﴾ أي قالوا ذلك غير مكترثين بوعيده لهم. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْبَيِّنَاتِ ﴾ أي المعجزات الظاهرة، وجمعها باعتبار ما اشتملت عليه العصا واليد من الخوارق العادات، وإنما نسب المجيء لهم، وإن كان موسى جاء بها لفرعون وقومه أيضاً، لأنهم هم المنتفعون بها. قول: (قسم) أي وجوابه محذوف تقديره لا نؤثرك على الحق، ولا يجوز أن يكون. قوله: ﴿ لَن نُّؤْثِرَكَ ﴾ جوابه، لأن القسم لا يجاب بلن إلا شذوذاً، ولا ينبغي حمل التنزيل عليه. قوله: (أو عطف على ما) أي والتقدير لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات، ولا على الذي فطرنا. قوله: ﴿ فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ ﴾ اقض فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و ﴿ مَآ ﴾ اسم موصول مفعوله، وأنت قاض صلته، والعائد محذوف تقديره الذي أنت قاضيه، وقد أشار لهذا ابن مالك بقوله: كَذَاك حذف ما يوصف خفضا   كأنت قاض بعد أمر من قَضَىوهو جواب عن تهديده المذكور، كأنهم قالوا: لا نبالي بك ولا بتهديدك، فافعل ما بدا لك، ولم يثبت في الكتاب، ولا في السنة، أنه فعل ما هددهم به. قوله: (النصب على الاتساع) أي، نصب هذه المبدلة منه الحياة الدنيا على نزع الخافض. قوله: ﴿ وَمَآ أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ ٱلسِّحْرِ ﴾ معطوف على ﴿ خَطَايَانَا ﴾ أي ويغفر لنا الذي أكرهتنا عليه من السحر. قوله: (تعلماً وعملاً) أي لأن فرعون كان يخبره الكهنة، بظهور مولود من بني إسرائيل، يكون زوال ملكه على يديه، فلعلهم كانوا يصفونه له بهاتين المعجزتين، فأحب أن يتهيأ لمعارضته بإكراه الناس على تعليم السحر، وإكراههم أيضاً على الإتيان بهم من المدائن البعيدة، ومما يدل على كونهم مكرهين على عمله، ما روي أنهم قالوا لفرعون: أرنا موسى وهو نائم، ففعل، فوجدوه تحرسه عصاه، فقالوا: ما هذا ساحر، فإن الساحر إذا نام بطل سحره، فأبى إلا أن يعارضوه. قوله: ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَآ أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَىٰ ﴾ رد لقوله: ﴿ وَٱللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾.


الصفحة التالية
Icon