قوله: ﴿ وَنَضَعُ ٱلْمَوَازِينَ ﴾ هذ الآية آخر خطابات قريش في هذه السورة، والجمع في الموازين للتعظيم، فإن الصحيح أنه ميزان واحد لجميع الأمم ولجميع الأعمال، وهو جسم مخصوص له لسان وكفتان وعامود، كل كفة قدر ما بين المشرق والمغرب، ومكانه قبل الصراط، كفته اليمنى للحسنات وهي نيرة عن يمين العرش، وكفته اليسرى للسيئات، وهي مظلمة عن يساره، يأخذ جبريل بعاموده ناظراً إلى لسانه، وميكائيل أمين عليه، يحضره الجن والإنس، ووقته بعد الحساب، ولا يكون الوزن في حق كل أحد، بل هو تابع للحساب، فمن حوسب وزنت أعماله، ومن لا فلا، والحق أن الكفار توزن أعمالهم السيئة غير الكفر، ليجازوا عليها بالعقاب، زيادة على عذاب الكفر، وأعمالهم الحسنة التي لا تتوقف على نية كالعتق وصلة الرحم والوقف، فيخفف عنهم بذلك من عذاب الكفر، فتوزن أعمالهم لأجل ذلك، لا للنجاة من عذاب الكفر، فإنه لا يخفف عنهم ولا ينقطع، وأما قوله تعالى﴿ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾[الكهف: ١٠٥] فمعناه نافعاً بحيث ينجون من الخلود في النار، وقيل حسناتهم التي فعلوها، يجاوزن عليها في الدنيا، كصحة وعافية، ولا يجازون عليها في الآخرة أصلاً، واختلف هل الوزن بصنج أولا، واستظهر الأول تحقيقاً للعدل، فتوضع السيئات في مقابلة الحسنات، فإن رجح أحدهما، وضع صنج بقدر ما رجح، فينعم بقدره، أو يعذب بقدره، فإن لم يكن له إلا حسنات فقط، أو سيئات فقط، وضعت الصنج في الكفة الأخرى. واختلف أيضاً، هل الأعمال تصور وتوزن، فالحسنات تصور بصورة حسنة نورانية، ثم توضع في كفة الحسنات، والسيئات تصور بصورة قبيحة ظلمانية، ثم توضع في كفة السيئات، أو توزن الصحائف، أو توزن الأشخاص؟ ولا مانع من حصول ذلك كله. قوله: ﴿ ٱلْقِسْطَ ﴾ أفرد لأنه مصدر، وصف به مبالغة أو على حذف مضاف. قوله: ﴿ شَيْئاً ﴾ إما مفعول ثان أو مفعول مطلق. قوله: ﴿ وَإِن كَانَ ﴾ (العمل) قدره المفسر إشارة إلى أن ﴿ كَانَ ﴾ ناقصة اسمها مستتر يعود على (العمل) و ﴿ مِثْقَالَ ﴾ بالنصب خبرها، وفي قراءة سبعية برفعه على أنها تامة. قوله: ﴿ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾ المراد أقل قليل. قوله: ﴿ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ أي عالمين، والمقصود منه التحذير، لأن الإنسان العاقل، إذا علم أن الله تعالى يحاسبه مع القدرة عليه، وإحاطة علمه بجزئيات أعماله، فإنه يكون على حذر وخوف منه. قوله: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ ﴾ شروع في ذكر قصص الأنبياء، تسلية له صلى الله عليه وسلم، وزيادة في علم أمته، وذكر منها عشر قصص: الأولى قصة موسى وهارون، الثانية قصة إبراهيم، الثالثة قصة لوط، الرابعة قصة نوح، الخامسة قصة داود وسليمان، السادسة قصة أيوب، السابعة قصة إسماعيل وإدريس وذي الكفل، الثامنة قصة يونس، التاسعة قصة زكريا، العاشرة قصة مريم وعيسى صلوات الله وسلامه على الجميع. قوله: ﴿ وَضِيَآءً ﴾ أي يستضاء بها من ظلمات الجهل والكفر. قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ أي عذابه. قوله: ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ حال من الفاعل في ﴿ يَخْشَوْنَ ﴾ أي حال كونهم غائبين ومنفردين عن الناس، والناس في ذلك مراتب، فمنهم من يعتقد أن الله مطلع عليه ولا يغيب عنه، ولكن قلبه غير ذائق لذلك، وهذا محجوب قد تقع منه المعاصي، ومنهم من يراقب الله بقلبه، بحيث يشاهد أنه في حضرة الله، وأنه مطلع عليه، وهذا أعلى من الأول، ويسمى ذلك المقام مقام المراقبة، ومنهم من يشاهد الله بعين بصيرته، وهذا أعلى المقامات، ويسمى مقام المشاهدة. قوله: ﴿ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ خصت بالذكر لكونها أعظم ما يخاف منه. قوله: ﴿ مُّبَارَكٌ ﴾ أي كثير الخير. قوله: ﴿ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ الخطاب لأهل مكة تقريعاً لهم، أي إن هذا القرآن فيه تذكيركم، وفيه خير كثير، أيليق منكم إنكاره والاستهزاء به. قوله: (أي هداه قبل بلوغه) المراد بالهدى الاهتداء لصلاح الدين والدنيا، حين خرج من السرب وهو صغير، وتفكر واستدل بالكواكب على وحدانية الله، وليس المراد به النبوة، وقيل من قبل موسى وهارون، وعليه فالمراد بالرشد النبوة، فتحصل أنه وإن كان المراد بقوله: ﴿ قَبْلُ ﴾ قبل البلوغ، فالمراد بالرشد الاهتداء لصلاح الدين والدنيا، لأن الله لم يتخذ ولياً جاهلاً بمعرفته فضلاً عن نبي، وإن كان المراد به قبل موسى وهارون، فالمراد بالرشد النبوة وإرشاد الخلق. قوله: ﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ أي ولم نزل كذلك.


الصفحة التالية
Icon