قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه لما ذكر من يجادل في قدرة الله بغير علم، وكان جدالهم في البعث، ذكر دليلين على ذلك، الأول في نفس الإنسان وابتداء خلقه، والثاني في الأرض وما يخرج منها، فإذا تأمل الإنسان فيهما، ثبت عنده البعث، وأنه واقع لا محالة. قوله: ﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ﴾ أي بأن تصير النطفة دماً جامداً، وهكذا يقال فيما بعده، بدليل قوله تعالى في سورة المؤمنين﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾[المؤمنون: ١٤] لما ورد: أن النطفة إذا وقعت في الرحم، وأراد الله أن يخلق منها بشراً، طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعرة، ثم تمكث أربعين يوماً ثم تصير دماً في الرحم، فذلك جمعها، وهو وقت جعلها علقة، واتفقوا على أن نفخ الروح فيه، يكون بعد مائة وعشرين يوماً، وذلك أربعة أشهر. قوله: (تامة الخلق) أي تامة التصوير، بأن خلق الرأس واليدان والرجلان. قوله: (أي غير تامة الخلق) أي غير تامة التصوير، بأن لم يخلق فيها شيء من ذلك. قوله: (كمال قدرتنا) قدره إشارة إلى أن مفعول نبين محذوف. قوله: ﴿ وَنُقِرُّ فِي ٱلأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ ﴾ أي فلا تسقطه الرحم. قوله: ﴿ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ أي معين لإخراجه، فتارة يخرج لستة أشهر، وتارة لأكثر. قوله: ﴿ طِفْلاً ﴾ حال مفعوله ﴿ نُخْرِجُكُمْ ﴾ وأفرده لأنه مصدر في الأصل، أو لأنه يراد به الجنس، أو لأن المعنى نخرج كل واحد منكم طفلاً، كقولك: القوم يشبعهم رغيف، أي كل واحد منهم، والطفل يطلق على الولد من حين الانفصال إلى البلوغ. قوله: ﴿ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ ﴾ قيل هو خمس وسبعون سنة، وقيل ثمانون، وقيل تسعون، قوله: (والخوف) بفتحتين، هو فساد العقل من الكبر. قوله: ﴿ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ ﴾ متعلق بيرد، أي لكيلا يعقل من بعد عقله الأول شيئاً، ليعود كهيئته الأولى في أوان الطفولية، من سخافة العقل وقلة الفهم، فينسى ما علمه، وينكر ما عرفه. قوله: (قال عكرمة: من قرأ القرآن) الخ، أي فهو مخصوص بغير من قرأ القرآن والعلماء، وأما هم فلا يردون إلى الأرذل، بل يزداد عقلهم كلما طال عمرهم، كما هو مشاهد. قوله: ﴿ وَتَرَى ٱلأَرْضَ هَامِدَةً ﴾ هذا هو الدليل الثاني على تمام قدرته تعالى. قوله: (تحركت) أي في رأي العين بسبب حركة النبات، قوله: ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ أي هذا الصنع، بسبب أنه تعالى هو الثابت الذي لا يقبل الزوال أزلاً ولا أبداً، الموجد للأشياء على طبق علمه وإرادته. قوله: ﴿ وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ آتِيَةٌ ﴾ توكيد لقوله: ﴿ وَأَنَّهُ يُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ ﴾، وكذا قوله: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي ٱلْقُبُورِ ﴾.
قوله: (ونزل في أبي جهل) واسمه عمرو بن هشام، وأبو جهل كنيته، ويكنى أيضاً بأبي الحكم. قوله: ﴿ ومِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ عطف على قوله: ﴿ ومِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ الأول، والمعنى أن الكفار تنوعوا في كفرهم، فبعضهم كان يقلد غيره في الكفر، وقد دلت الآية الأولى على هذا القسم، وبعضهم كان قدوة يقتدي به غيره في الضلال والكفر، وقد دلت هذه الآية عليه، وبعضهم كان يدخل الإسلام باللسان، وفي قلبه الريب والشك، وهو الآتي في قوله:﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ﴾[الحج: ١١] وحينئذ فليس في الآية تكرار. قوله: ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي معرفة، وقوله: ﴿ وَلاَ هُدًى ﴾ أي استدلال، وقوله: ﴿ وَلاَ كِتَابٍ ﴾ أي وحي. والمعنى أنه يجادل من غير مستند أصلاً.


الصفحة التالية
Icon