قوله: ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ ﴾ الخ، هذه تسلية ثانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ مِن رَّسُولٍ ﴾ ﴿ مِن ﴾ زائدة في المفعول أي رسولاً. قوله: (هو نبي أمر بالتبليغ) أي إنسان ذكر حر، أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه. قوله: ﴿ وَلاَ نَبِيٍّ ﴾ عطف على ﴿ رَّسُولٍ ﴾.
إن قلت: إن تفسير النبي بكونه لم يؤمر بالتبليغ، ينافي قوله أرسلنا. أجيب: بأن الإرسال معناه البعث لنفسه، لأنه أوحي إليه شرع يعمل به في نفسه، وليس مأموراً بتبليغه للخلق، أو يقدر قبل قوله ولا نبي ما يناسبه، كأنه يقال مثلاً: ولا نبأنا من نبي على حد: علفتها تبناً وماءً بارداً. قوله: (أي لم يؤمر بالتبليغ) أشار المفسر بهذا، إلى أن العطف في الآية مغاير، وإن كان لفظ النبي أعم. قوله: (قراءته) إنما سميت القراءة أمنية، لأن القارئ إذا وصل إلى آية رحمة تمنى حصولها، أو أية عذاب تمنى البعد عنه. قوله: (ما ليس من القرآن) مفعول ألقى. قوله: (مما يرضاه) بيان لما. قوله: (المرسل إليهم) أي وهم الكفار. قوله: (وقد قرأ النبي) أشار بذلك إلى أن سبب نزول هذه الآية، قراءة النبي سورة النجم، وذلك كان في رمضان سنة خمس من البعثة، وكانت الهجرة إلى الحبشة في رجب من تلك السنة، وقدوم المهاجرين إلى مكة كان في شوال من تلك السنة. قوله: (بإلقاء الشيطان) متعلق يقرأ. قوله: (تلك الغرانيق) معمول (قرأ) والغرانيق في الأصل الذكور من طير الماء واحدها غرنوق كفردوس، أو غرنوق كعصفور، وكانوا يزعمون أن الأصنام تقربهم من الله وتشفع لهم، فشبهت بالطيور التي تعلو في السماء وترتفع. قوله: (ففرحوا بذلك) أي بما سمعوه وقالوا: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم. قوله: (يبطل) أي يزيل، فالنسخ في اللغة معناه الإزالة، وما ذكره المفسر من قصة الغرانيق، رواية عامة للمفسرين الظاهريين. قال الرازي: أما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلة موضوعة، واحتجوا على البطلان بالقرآن والسنة والمعقول، أما القرآن فبوجوه: أحدها قوله تعالى:﴿ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ ﴾[الحاقة: ٤٤] الآية. ثانيها﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ ﴾[يونس: ١٥] الآية: ثالثها قوله تعالى:﴿ وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ ﴾[النجم: ٣].
وأما السنة فمنها ما روي عن محمد بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هي من وضع الزنادقة، وقال البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، فقد روى البخاري في صحيحه، أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم، وسجد فيها المسلمون والكفار والإنس والجن، وليس في حديث الغرانيق. وأما المعقول فمن أوجه: أحدها: أن من جوز على النبي صلى الله عليه وسلم تعظيماً للأوثان فقد كفر. ثانيها: لو كان الإلقاء على الرسول ثم الإزالة عنه، لكانت عصمته من أول الأمر أولى، وهو الذي يجب علينا اعتقاده في كل نبي. ثالثها، وهو أقوى الأوجه: أنا لو جوزنا ذلك، لارتفع الأمان عن شرعه. ثم قال الرازي: وقد عرفنا أن هذه القصة موضوعة، وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة، قاله الخطيب، ثم قال: وهذا هو الذي يطمئن إليه القلب، وإن أطنب ابن حجر العسقلاني في صحتها، انتهى. ويكون معنى الآية على هذا التحقيق، ألقى الشيطان في أمنيته أي تلاوته شبهاً وتخيلات في قلوب الأمم، بأن يقول لهم الشيطان: هذا سحر وكهانة، فينسخ الله تلك الشبه من قلوب من أراد لهم الهدى، ويحكم الله آياته في قلوبهم، والله عليم بما ألقاه الشيطان في قلوبهم، وحكيم في تسليطه عليهم، ليميز المفسد من المصلح. قوله: وَ ﴿ لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ﴾ متعلق بيحكم أي ثم يحكم الله آياته ليجعل، الخ. قوله: ﴿ وَٱلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ عطف على الذين، أي فتنة للقاسية قلوبهم. قوله: (حيث جرى على لسانه) الخ، قد علمت أن هذا خلاف الصواب، والصواب أن يقول حيث سلط الشيطان عليهم بالوسوسة والطعن في القرآن. قوله: ﴿ وَلِيَعْلَمَ ﴾ عطف على ليجعل. قوله: ﴿ فَيُؤْمِنُواْ بِهِ ﴾ أي بالقرآن. قوله: (أي دين الإسلام) أي وسمي صراطاً لأنه يوصل لمرضاة الله، كما أن الصراط يوصل لدار النعيم.


الصفحة التالية
Icon