قوله: ﴿ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ وضع الظاهر موضع المضمر تبكيتاً عليهم. قوله: (أي الإنكار لها) أشار بذلك إلى أن المنكر مصدر ميمي على حذف مضاف. قوله: ﴿ يَكَادُونَ يَسْطُونَ ﴾ هذه الجملة حال، إما من الموصول أو من الوجوه، وضمن يسطون معنى يبطشون، فعداه بالباء، وإلا فهو متعد بعلى. قوله: ﴿ ٱلنَّارُ ﴾ قدر المفسر الضمير إشارة إلى أن النار خبر لمحذوف، كأنه قيل: وما الأشر؟ فقيل: هو النار. قوله: ﴿ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ وعد يتعدى لمفعولين الهاء مفعول ثان مقدم، و ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ مفعول أول مؤخر، نظير قوله تعالى:﴿ وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ ﴾[التوبة: ٦٨] ويصح العكس، بأن يجعل الضمير هو المفعول الأول، و ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ هو المفعول الثاني، وإليه يشير المفسر بقوله: (بأن مصيرهم إليها) حيث جعل الذين كفروا هو الموعود به، والنار هي الموعودة. والمعنى جعل الله الكفار طعاماً للنار وعدها بهم، والأول أنسب من جهة العربية، لأن المفعول الأول شرطه صلاحيته للأخذ، كأعطيت زيداً درهماً. قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ ﴾ هذه الآية مرتبطة بقوله:﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً ﴾[الحج: ٧١] فالخطاب وإن كان لأهل مكة، إلا أن المراد به عموم من كان يعبد الأصنام، والمثل في اللغة مرادف للمثل والشبه والنظير، ثم صار حقيقة عرفية في ما شبه مضربه بمورده، كقولهم: الصيف ضيعت اللبن، وليس مراداً هنا، بل المراد به الأمر الغريب والقصة العجيبة، وإليه يشير المفسر في آخر العبارة بقوله: (هذا أمر مستغرب). قوله: ﴿ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ ﴾ أي اصغوا إليه لتعتبروا. قوله: (وهو) أي المثل المضروب. قوله: (واحدة ذبابة) أي ويجمع على ذبان بالكسر كغربان، وذبان بالضم كقضبان، وأذبة كأغربة، مأخوذ من ذب إذا طرد، وآب إذا رجع، لأنه يذب فيرجع، وهو أحرص الحيوانات وأجهلها، لأنه يرمي نفسه في المهلكات. ومدة عيشه أربعون يوماً، وأصل خلقته من العفونات، ثم يتوالد بعضه من بعض، يقع روثه على الشيء الأبيض فيرى أسود، وعلى الأسود فيرى أبيض. قوله: ﴿ وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ ﴾ الجملة حالية كأنه قال: انتفى خلقهم الذباب على كل حال، ولو في حال اجتماعهم. قوله: ﴿ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ﴾ أي يأخذ ويختطف منهم. قوله: (مما عليهم من الطيب والزعفران) الخ، أي لأنهم كانوا يطلون الأصنام بالزعفران، ورؤوسها بالعسل، ويغلقون عليها الأبواب، فيدخل الذباب من الكوى فيأكله، وكانوا يحلونها باليواقيت والآلئ وأنواع الجواهر، ويطيبونها بأنواع الطيب، فربما سقط شيء منها، فيأخذه طائر أو ذباب، فلا تقدر الآلهة على استرداده. قوله: (الملطخون بها) المناسب أن يقول المتلطخين، لأنه نعت سببي للطيب والزعفران. قوله: ﴿ لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ ﴾ أي لا يخلصون منه. قوله: (عبر عنه بضرب المثل) جواب عما يقال: إن الذي ضرب وبين ليس بمثل حقيقة، فكيف سماه مثلاً؟ فأجاب: بأن القصة العجيبة تسمى مثلاً، تشبيهاً لها ببعض الأمثال في الغرابة.


الصفحة التالية
Icon