قوله: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ ﴾ الخ، ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية من هنا إلى قوله:﴿ وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾[المؤمنون: ٢٢] أربعة أنواع من دلائل قدرته تعالى، الأول: تقلب الانسان في أطوار خلقته وهي تسعة آخرها قوله: (تبعثون) الثاني: خلق السماوات. الثالث: إنزال الماء. الرابع: منافع الحيوانات. وذكر منها أربعة أنواع: واللام موطئة لقسم محذوف قدره المفسر بقوله: (والله). قوله: ﴿ مِن سُلاَلَةٍ ﴾ متعلق بخلقنا. قوله: (متعلق بسلالة) أي لأنه مسلول. قوله: (أي الإنسان نسل آدم) أشار بذلك إلى أن الضمير يعود على الانسان، لكن لا بالمعنى الأول، وحنيئذ ففي الكلام استخدام، ويؤيده قوله تعالى في الآية الأخرى:﴿ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ ﴾[السجدة: ٧-٨].
قوله: ﴿ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴾ أي في مقر متمكن. وصف بذلك لأنه محفوظ، لا يطرأ عليه اختلال مع كونه ضيقاً. قوله: ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً ﴾ قيل كلها، وقيل جزء منها، والباقي يوضع نصفه في موضع تربته، والنصف الثاني يوضع في السماء، فإذا أراد الله إحياء الخلق من القبور، أمطرت السماء منياً، فتتلاقى النطف النازلة من السماء، بالنطف الباقية في الأرض، فتوجد الخلائق بينهما، وهذا هو حكمة قوله تعالى:﴿ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ﴾[الأعراف: ٢٩].
قوله: (وفي قراءة عظماً) أي هي سبعية أيضاً. قوله: ﴿ ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ أي من غير توان، والمعنى حولنا النطفة عن صفاتها، إلى صفة لا يحيط بها وصف الواصفين. قوله: (بنفخ الروح فيه) هذا قول ابن عباس والشعبي والضحاك، وقيل الخلق الآخر هو خروجه إلى الدنيا، وقيل خروج أسنانه وشعره، وقيل كمال شبابه، والأتم أنه عام في هذا وغيره من النطق والإدراك وتحصيل المعقولات، وجميع الأمور التي اشتمل عليها بنو آدم، من الكمالات الحسية والمعنوية التي يشير لها قول بعض العارفين: وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبرقوله: ﴿ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ ﴾ أي تعاظم وارتفع قدره. قوله: (المقدرين) أي المصورين، ودفع بذلك ما يقال: إن اسم التفضيل يقتضي المشاركة، مع أنه لا خالق غيره. فأجاب: بأن المراد بالخلق التقدير لا الايجاد والإبداع، والتقدير حاصل من الحوادث. قوله: (للعلم به) أي من قوله الخالقين فإنه يدل عليه.