قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ تقدم أن الزاني الزانية، إما أن يرجما إن كانا محصنين، أو يجلدا إن لم يكونا كذلك، فتبين أن الزنا أمره عظيم شديد، لا بد وأن يثبت، إما بإقرار، أو بأربعة عدول، فإن انتفى واحد من ذلك حد المدعي، فبين هذه الآية وما قبلها شدة مناسبة، وقوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ﴾ مبتدأ.
﴿ يَرْمُونَ ﴾ صلته، والخبر ثلاث جمل: الأولى ﴿ فَٱجْلِدُوهُمْ ﴾.
الثانية قوله: ﴿ وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ﴾.
الثاثة قوله: ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ﴾، ومعنى ﴿ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ يتهمونهن، فشبه الاتهام بالرمي، بجامع التأدية للهلاك في كل، لأنه إن ثبت ذلك الأمر فقد هلك المرمي، وإن لم ثيبت فقد هلك الرامي، وقوله: ﴿ ٱلْمُحْصَنَاتِ ﴾ لا مفهوم له، بل وكذا المحصنون، وإنما خصهن بالذكر، لأن الشأن قوة شهوة النساء. قوله: (العفيفات) تفسير للمحصنات باعتبار اللغة، لأن حصان كما يطلق على العفة، يطلق على التزوج وعلى الحرية، ومفهوم قوله: (العفيفات) أنه إذا رمي غير عفيف لا يحد، ويشترط زيادة على العفة، أن يكون المرمي يتأتى منه الزنا أو اللواط بأن يكون ذا آلة، فإن رمي مجبوباً عزر ولا يحد، وأن يكون حراً مسلماً مكلفاً، فإن انتفى شرط منها لم يحد القاذف، إلا رامي الصبي باللواط به أو الصبية المطيقين، فعند مالك يحد، وعند الشافعي يعزر. قوله: (بالزنا) أي أو اللواط في آدمي مطيق، أو جني تشكل بآدمي. قوله: ﴿ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ﴾ أي عدول، وقوله: (برؤيتهم) متعلق بشهداء، أي يشهدون بأنهم رأوا الذكر في الفرج، ولا بد أن يتحدوا في الرؤية والأداء، فإن اختلفوا ولو في أي صفة حد الجميع. قوله: ﴿ أَبَداً ﴾ أي ما داموا مصرين على عدم التوبة بدليل الاستثناء، وعلى هذا درج مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا تقبل شهادتهم ولو تابوا. قوله: ﴿ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ ﴾ استثناء متصل، لأن المستثنى منه الذين يرمون والتائبون من جملتهم. قوله: ﴿ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ ﴾ أي القذف. قوله: (فبها ينتهي فسقهم) هذا مبني على رجوع الاستثناء للجملتين الأخيرتين، وهو مذهب مالك والشافعي، فعندهما أن التائب تقبل شهادته، ويزول عنه اسم الفسق. قوله: (وقيل لا تقبل) هذا مذهب أبي حنيفة، واتفق الجميع على أن القاذف يجلد، وإن تاب، فليس الاستثناء راجعاً إلى الجملة الأولى.