قوله تعالى: ﴿ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [١١٩]/ ٢٥٢- أنا يوسف بن سعيد، حدثنا حجَّاج بن محمد، نا ليث بن سعد، حدثني عُقَيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عَمِيَ قال: سمعت كعب بن مالك يُحدث حديثه حين تخلَّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قال:" فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله منَّا قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رَحُبت، سمعت صارِخاً أوفَى على أعلى جبل بأعلى صوت: يا كعب بن مالك أَبْشِر، قال: فَخَررت ساجداً وعرفت أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فَدَهم الناس يُبشرونا، وذهب قِبَل صاحبيَّ مبشرون، وركض رجل إليَّ فرَسا وسعى ساع من أسلم، فأَوفى على جبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته، بشرني، نزعت ثوبي فكسوته إيَّاهما بشارة، والله ما أملك غيرهما، واستعرت ثوبين، فلبستهما وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئوني بالتوبة يقولون: لِتَهْنِئك توبة الله عليك، قال كعب: حتى دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً حوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عُبيد الله يُهرول حتى صافحني وهنَّأني، ووالله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعب: فلما سلَّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وهو يَبْرُق وجهُه من السرور: " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك " فقلت: من عِندك يا رسول الله أو من عند الله؟ قال: " لا، بل من عند الله " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استَنَارَ وجهُه كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك منه، / فلما جلست بين يديه، قلت: يا رسول الله، إنَّ من تَوبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك " قلت: فإني أُمسك سهمي الذي بخَيبر، قلت: يا رسول الله، إن الله تعالى إنَّما أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أُحدِّث إلا صدقا ما بَقِيت، فوالله ما أحد من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، فأنزل الله عز وجل ﴿ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ ﴾ [١١٧] تلا إلى ﴿ ٱلصَّادِقِينَ ﴾ [١١٩] فوالله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قطُّ بعد أن هداني للإسلام بأعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألاَّ أكون كَذَبْته فأَهْلِك كما هَلَكَ الذين كذبوه حتى أنزل الوحي حتى بِشَرِّ ما قال لأحد ﴿ سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ ﴾ [التوبة: ٩٥] إلى ﴿ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: ٩٦] قال كعب: وكنا تُخُلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه، فلذلك قال الله عز وجل ﴿ وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ ﴾ [١١٨] وليس الذي ذكر الله تخَلُّفنا عن الغزو، وإنما هو تخليفة إِيَّانا، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه ". مختصر.


الصفحة التالية
Icon