قوله تعالى: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ ﴾ [١١]٣٨٠- أنا محمدُ بن عبد الأعلى، نا محمدُ بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن محمد بن مُسلم بن شهاب الزُّهري، قال: أخبره عُروة بن الزُّبيرِ وسعيد بن المسيبِ وعلقمةُ بن وقاصٍ وعبيدُ الله بن عبد الله بن عتبة، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم - حين قال لها أهلُ الإفك ما قالوا فبرأها اللهُ - وكُلُّهُم حدَّثني بطائفةٍ من حديثها، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعضٍ، وأثبت له اقتصاصاً، وقد وعيت من كل واحدٍ منهم الحديث الذي حَدَّثني به، وبعض حديثهم يُصدقُ بعضُهُ بعضاً، زعموا" أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائهِ، فأيَّتُهُنَّ خرج سهمها خرج بها معهُ، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها، فخرج فيها سهمي فخرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أُنزل الحِجابُ. فأنا أُحملُ في هودجي وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فزع رسول الله صلى الله عليه وسلم من [غزوتهِ تلك وقفل] ودنونا من المدينة، أذن ليلةً بالرحيل، فمشيتُ حتى جاوزتُ الجيش فلما قضيتُ شأني أقبلتُ إلى الرحلِ فلمستُ صدري، فإذا عقدٌ [لي] من جزع أظفارٍ قد انقطع، فرجعت، فالتمستُ عقدي فحبسني ابتغاؤُهُ، وأقبل الرهطُ الذين كانوا يرحلون لي وحملوهُ على بعيري الذي كنتُ أركبُهُ، وهم يحسبون أني فيهِ؛ وكان النساءُ إذ ذاك خِفافاً لم يُهبِّلهُنَّ ولم يغشهُنَّ اللحمُ، إنما يأكلن العُلقتين من الطعام، فلم يستنكر القوم ثِقل الهودجِ حين رفعوه ورحلوه، وكنتُ جاريةً حديثة السِّنِّ، فبعثُوا الجمل وساروا، فوجدتُ عقدي بعدما استمر الجيشُ، فجئتُ منازلهم وليس بها داعٍ ولا مُجيبٌ، فيمَّمْتُ منزلي الذي كنتُ فيه، وظننتُ أن القوم/ سيفقدوني فيرجعون، فبينا أنا جالسةٌ في منزلي إذ غلبتني عيني فنمتُ حتى أصبحتُ، وكان صفوانُ بن المُعطِّلِ من وراء الجيشِ، فأدلج، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسانٍ نائماً، فأتاني فعرفني حين رآني. وكان يراني قبل أن يضرب علينا الحِجابُ، فاستيقظتُ باسترجاعِهِ حين عرفني فخمرتُ وجهي بجلبابي، والله ما كلمني كلمةً، ولا سمعت منهُ كلمةً غير استرجاعه حين أناخ راحلته فوطِىءَ على يدها فركبتها وانطلق يقود بي الراحلة، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا مُوغرين في نحو الظهيرةِ، فهلك من هلك في شأني، وكان الذي تولي كبرهُ عبد اللهِ ابن أُبيِّ بنِ سلولٍ، فقدمتُ المدينة، فاشتكيتُ شهراً، والناسُ يُفيضون في قولِ أهل الإِفك، ولا أشعرُ بشيءٍ من ذلك، وهو يُريبني في وجعي أني لا أعرفُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللُّطف الذي كُنتُ أري حين أشتكي، إنما يدخلُ عليَّ فيُسلمُ فيقولُ: " كَيْفَ تِيكُمْ؟ " فذلك [الذي] يُريبني ولا أشعر [بالشَّرِّ] حتى خرجتُ بعدما نقِهْتُ، فخرجت [معي] أُمُّ مِسطحٍ قِبَلَ المناصع وهو مُتبرزنا، ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليلٍ. وذلك قبل أن تُتخذ الكُنُفُ قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب، الأُول في التبرز [قبل الغائطِ] وكنا نتأذى بالكنفِ أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقتُ أنا وأُمُّ مِسْطَحٍ - وهي: بنتُ أبي رُهم بن عبد المُطلب بن عبد منافٍ، وأُمُّهَا بنتُ صخر بن عامرٍ خالةُ أبي بكرٍ الصديق، وابنها مِسطحُ بن أثاثة بن عُبادٍ بن المطلبِ - فأقبلتُ أنا وابنةُ أبي رُهمٍ قبل بيتي حين فرغنا من شأننا، فعثرت أُمُّ مِسطحِ في مرطها فقالت: تَعِسَ مِسطَحٌ! فقلتُ لها: بئس ما قُلتِ، تَسُبِّينَ رجلاً قد شهد بدراً. فقالت: يا هنتاهُ! ألم تسمعي ما قال؟. قُلتُ: وما قال؟ فأَخبرتني بقول أهلِ الإفكِ فازددتُ مرضاً إلَى مرضي، فلما رجعتُ إلى بيتي، ودخل عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقال: " كيف تِيكُمْ "./ قُلتُ: أتأذنُ لِي أن آتي أبويَّ؟ قال: " نعم "، وأنا أُريد حينئذٍ أن أتيقن الخبر من عندِهما، فأذن لي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فجئت لأبويَّ فقلتُ لأُمي أي هنتاهُ ما يتحدث الناسُ؟ قالت: أي بُنيةُ؛ هوِّني عليكِ، فوالله لقلَّ ما كانت امرأةٌ قطُّ وضيئةٌ عند رجلٍ يُحبُّها لها ضرائرُ إلا كثرنَ عليها، فقلتُ: سُبحان الله، أوقد تَحدَّث الناسُ بهذا وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم. فبكيت تلك الليلة حتى أصبحتُ لا يرقأُ لي دمعٌ، ولا أكتحلُ بنومٍ حتى ظنَّ أبواي أنَّ البُكاء سيفلق كبدي، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَلِيَّ بن أبي طالبٍ، وأُسامة بن زيدٍ حين استلبث الوحيُ يستشيرهما في فراق أهلِهِ. فأما أُسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءةِ أهلِهِ، وبالذي [يعلمُ] في نفسه من الوُدِّ. فقال: يا رسول اللهِ، أهْلُكَ ولا نعلمُ إلا خيراً. وأما عليُّ بنُ أبي طالبٍ فقال: يا رسول الله؛ لم يُضَيِّقِ اللهُ عليك النساء والنساءُ سواها كثيرٌ، وإن تسأل الجارية تصدقك - يعني بَرِيرَةَ - فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَرِيرَةَ فقال: " هل رأيت من شيء يُريبكِ من عائشة " قالت بَرِيرَةُ: والذي بعثك بالحقِّ إن رأيت عليها أمراً أغمِصُهُ عليها أكثر من أنها حديثةُ السِّنِّ تنامُ عن عجين أهلها، فتأتى الدَّاجنُ فتأكُلُهُ. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فحمد اللهُ وأثنى عليه بما هو أهلهُ ثم قال: " أما بعدُ، فمن يُعذرني ممن قد بلغني أذاه في أهلي " - يعني عبد الله بن أُبي بن سلولٍ - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر أيضاً: " يا معشر المسلمين، من يعذرني ممن قد بلغني أذاهُ في أهلي - يعني عبد الله بن أُبي بن سلولٍ - فوالله ما علمتُ على أهلي إلا خيراً، وما كان يدخلُ على أهلي إلا معي ". فقام سعدُ بن مُعاذٍ الأنصاريُّ فقال: أُعذرك منه يا رسول اللهِ؛ إن كان من الأوس ضربنا عُنُقَهُ، وإن كان/ من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. فقال سعدُ بن عُبادةَ - وهو سيدُ الخزرجِ، وكان رجُلاً صالحاً، ولكن احتملته الحميةُ فقال: أي سعد بن معاذٍ لعمر اللهِ لا تقتله ولا تقدر على قتلهِ. فقام أُسيدُ بن حُضيرٍ - وهو ابن عم سعد بن معاذٍ فقال لسعدٍ بن عُبادة: كذبت لعمرُ الله لنقتُلنه، فإنك مُنافق تُجادل عن المنافقين، فثار الحيان: الأوسُ والخزرج، حتى همُّوا أن يَقتتِلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ على المنبر، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخفِّضُهُمْ حتى سكتوا، ثم أتاني النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأنا في بيت أبويَّ، فبينا هو جالسٌ وأنا أبكي فاستأذنت علىَّ امرأةٌ من الأنصارِ.... "وساق الحديث.


الصفحة التالية
Icon