قوله تعالى: ﴿ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ [٦٤]٨٤- أنا أبو داود سليمان بن سَيف، [نا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، نا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، أني عُبيد الله] بن عبد الله، أن عبد الله بن عباس قال: أخبرني أبو سفيان بن حرب أنه كان بالشام في رجال من قريش قدموا تُجاراً في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إيلياء فأدخلنا عليه، فإذا هو جالس في مجلس مُلكه، وعليه التاج وحوله علماء الروم، فقال لتَرْجُمانه: سلهم أيُّهم أقرب نسبا إلى هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: أنا أقربهم إليه نسباً، فقال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو ابن عمي قال: وليس في الرَّكب يومئذ رجل من بني عبد مناف غيري، قال/: فقال قيصر: أدنوه منِّي، ثم أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي، ثم قال لتَرْجُمانه: قل لأصحابه: إني سائل هذا عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، فإن كذب فكذِّبوه، قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذ أن يأثِرَ على أصحابي الكذب لحدثته عنه حين سألني، ولكن استحييت أن يأثروا عليَّ الكذب، فصدقته عنه، ثم قال لتَرْجُمانه: قل له: كيف نسبُ هذا الرجل فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب قال: فقال: هل قال هذا القول منكم أحد قبله، قلت: لا، قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من مَلِك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس اتبعوه أم ضُعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم، قال: فيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتدُّ أحد سَخْطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل يغدِر؟ قلت: لا، ونحن منه الآن في مدة، ونحن نخاف أن يَغدر، قال أبو سفيان: ولم يمكني كلمة أُدخل فيها شيئا أنتقصه بها أخاف أن تؤثر عني غيرها، قال: فهل قاتلتموه؟ وهل قاتلكم؟ فقلت: نعم، قال: فكيف كان حربكم وحربه؟ قلت: كانت دُوَلا وسِجَالا يُدَال علينا المرة ونُدال عليه الأخرى، قال: فما كان يأمركم به؟ قلت: يأمرنا أن نعبد الله وحده، ولا نشرك به شيئا، ونهانا عما كان يعبد أباؤنا، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة. فقال لتَرجُمانه حين قلت ذلك: قل له: إني سألتك عن نسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تُبْعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال هذا القول أحد منكم قبله؟ فزعمت أن لا فقلت: ألو قال/ هذا القول أحد منكم قبله قلت: رجل يأْتَمُّ بقول قيل قبله، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد علمت أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه مِن مَلِك؟ فزعمت أن لا فقلت: أن لو كان من آبائه ملك لقلت: رجل يطلب ملك آبائه، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فزعمت ان ضعفاؤهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك: هل يزيدون أن ينقصون؟ فزعمت أنهم يزيدون؛ وكذلك الإيمان حتى يتمَّ وسألتك: هل يرتد أحد سخْطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين يُخالط بشاشة القلب لا يبغضه أحد، وسألتك: هل يَغْدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: هل قاتلتوه وقاتلكم؟ فزعمت أن قد فعل، وأن حربكم وحربه تكون دُولا، يُدال عليكم المرة، وتُدالون عليه الأخرى، وكذلك الرسل تُبْتلى ويكون لها العاقبة، وسألتك: بماذا أمركم؟ فزعمت أنه يأمركم أن تعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عما كان يعبد أباؤكم، ويأمركم بالصلاة، والصدق، والعفاف والوفاء بالعهد، وأداء الأمانات قال: وهذه صفة نبيٍّ قد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، وإن يكن ما قلتَ حقا، فيوشك أن يملك موضع قدميَّ هاتين، فوالله لو أرجو أن أَخلُص إليه لتجشَّمْت لُقيه ولو كنت عنده غسلت عن قدميه، قال أبو سفيان: ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به، فقريء فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم/، من محمد بن عبد الله رسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام؛ أسْلِم تَسْلم، وأَسْلم يُؤْتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأَريسيين و ﴿ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ قال أبو سفيان: فلما قضى مقالته عَلَت أصوات الروم حوله من عظماء الروم وكثر لَغَطُهم فلا أدري ماذا قالوا، وأُمر بنا فأُخْرجنا، قال أبو سفيان: فلما خرجت مع أصحابي وخلصت بهم قلت، لقد أَمِر [أَمْرُ] ابن أبي كبشة؛ هذا ملك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: فوالله ما زلت ذليلا مُستيقنا بأن أمره سيظهر حتى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كَاره.