﴿ فَلَمَّآ أَحَسَّ ﴾ الإِحساس الإِدراك بالحاسة ولما كان كفرهم واضحاً مصرحاً به جعل كأنه مبصر مسموع. ويقال: أحس متعدياً لمفعول به وحسست متعدياً بالباء وقد أبدلت سين حسست الثانية ياء إذا اتصل بها بعض الضمائر وقد حذفت قالوا أحسْستُ وكذلك سين أحس مع بعض الضمائر، تقول: أحست والكفر كفرهم بنبوته وطلب قتله ولذلك:﴿ قَالَ مَنْ أَنصَارِيۤ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ أي أنصاري مضافين إلى نصر الله إياي، والحواريون أصفياء عيسى: قاله ابن عباس، وقال مصعب: الحواريون كانوا اثني عشر رجلاً يسيحون معه يخرج لهم ما احتاجوا إليه من الأرض.﴿ نَحْنُ أَنْصَارُ ٱللَّهِ ﴾ أي أنصار نبي الله ودينه ثم أخبروا بما حملهم على النصرة وهو الإِيمان بالله وأكدوا ذلك بقولهم: ﴿ وَٱشْهَدْ ﴾ فجاز أن يكون الضمير عائداً على عيسى أو عائداً على الله، أي وأشهر يا ربنا. وأكدوا ذلك بقولهم: ﴿ رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ ﴾ الآية.﴿ وَمَكَرُواْ ﴾ الضمير عائد على الذين أحس منهم الكفر. ومكرهم باحتيالهم على قتله وقتل أصحابه ومكر الله: مجازاتهم على مكرهم، سمي ذلك مكراً لأن المجازاة لهم ناشئة عن المكر، كقوله:﴿ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ﴾[الشورى: ٤٠].
﴿ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ ﴾ القول بواسطة ملك. لأنه عليه السلام لم يكن مكلماً كموسى عليه السلام. ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾ والظاهر أن معنى " متوفيك " مميتك ورافعك إلى. والواو لا تقتضي ترتيباً أي مميتك بعد رفعك أليّ. وبدأ بقوله: ﴿ مُتَوَفِّيكَ ﴾؛ إخباراً بأنه مخلوق من مخلوقاته ليس بآله. وقيل: معنى متوفيك أي بالنوم أو قابضك من الأرض، وأجمعت الأمة على أن عيسى عليه السلام حي في السماء وسينزل الى الأرض إلى آخر الحديث الذي صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.﴿ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ﴾ الرفع النقل من سفل الى علو. ﴿ وَمُطَهِّرُكَ ﴾ أي مخلصك جعلهم نجساً. ﴿ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ ﴾ أي على دينك وما جئت به عن الله من الدين والتبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم وإلزام الناس شريعته.﴿ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ هم اليهود وشردهم الله أي تشريد بأنه ليس لهم ملك ولا مدينة يختصمون بها بل هم مغرقون في أقطار الأرض تحت قهر المسلمين وتحت قهر النصارى وتحت قهر المجوس.﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ هذا إخبار بالحشر والبعث. والمعنى ثم إلى حكمي. وهذا من الإِلتفات، لأنه سبق ذكر مكذبيه وهم اليهود وذكر من آمن به وهم الحواريون وأعقب ذلك قوله: وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا. فذكر متبعيه والكافرين ولو جاء على نمط هذا السياق لكان التركيب ثم إلي مرجعهم، ولكنه التفت على سبيل الخطاب للجميع ليكون الاخبار أبلغ في التهديد وأشد زجراً لمن ينزجر، ثم ذكر لفظة: إليّ، ولفظة: فأحكم، بضمير المتكلم ليعلم أن الحاكم هناك من لا تخفى عليه خافية، وذكر أنه يحكم فيما اختلفوا فيه من أمر الأنبياء واتباع شرائعهم وأتى بالحكم مبهماً ثم فصل المحكوم بينهم إلى كافر ومؤمن وذكر جزاء كل واحد منهم.


الصفحة التالية
Icon