﴿ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ ﴾ أي من جادلك فيه أي في أمر عيسى لأنه المحدّث عنه أولاً في قوله: إن مثل عيسى، والمحاجة مفاعلة وهي من اثنين وقعت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين وفد نجران.﴿ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ ﴾ وهو إخباره عليه السلام بولادة عيسى من غير أب وقصته إلى أن ذكر رفع الله إياه. ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْاْ ﴾ قرىء بفتح اللام وهو الأصل وبضمها شاذاً ووجهه أنه كان أصله تعالَيُوا فنقلت الضمة الى اللام فحذفت الياء لالتقاء الساكنين. ﴿ نَدْعُ ﴾ أي يدْع كل مني ومنكم أبناءه ونساءه ونفسه الى المباهلة وفي صحيح مسلم لما نزلت هذه الآية. دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي. ﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ﴾ نتضرع: قاله ابن عباس.﴿ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ أي يقول كل منّا لعن الله الكاذب منا في أمر عيسى وقد طول المفسرون في قصة المباهلة ومضمنها أنه لما دعاهم إلى المباهلة وخرج بالحسن والحسين وفاطمة وعلي الى الميعاد وانهم كفّوا عن ذلك ومعلوم ان الكاذب هم النصارى وهو نظير قوله تعالى:﴿ وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾[سبأ: ٢٤].
ومعلوم ان الذي على الهدى هو محمد صلى الله عليه وسلم وأن الذين في الضلال المبين هم الكفار المخاطبون بقوله:﴿ أَوْ إِيَّاكُمْ ﴾[سبأ: ٢٤]، وأبرز ذلك إبراز الاحتمال كما قال الشاعر: أيا ظبية الوعساء بين حلاحل وبين النقاء أأنت أمْ أمّ سالوخص الأبناء والنساء لأنهم أعز الأهل وألصقهم بالقلوب وربما فداهم الرجل بنفسه وحارب دونهم حتى يقتل ومن ثم كانوا يسوقون معهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب ويسمون الدفع عنها بأرواحهم حماية الحوزة وحماية الحقائق وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب منزلتهم وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها وفيه دليل لا شيء أقوى منه على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ ﴾ الإِشارة بهذا الى قصة عيسى عليه السلام وكونه مخلوقاً من غير أب إلى سائر ما قص تعالى في أمره فليس بإِله بل هو عبد من عبيده كما قال تعالى:﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ ﴾[الزخرف: ٥٩]، ولذلك جاء بعده:﴿ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ﴾ فحصر الإِلهية له تعالى. ﴿ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴾ إشارة إلى وصفي الألوهية وهما القدرة الناشئة عن الغلبة فلا يمتنع عليه شيء والعلم المعبر عنه بالحكمة فيما صنع والاتقان لما اخترع فلا يخفى عليه شيء. وهاتان الصفتان منفيتان عن عيسى عليه السلام. ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ يجوز أن يكون مضارعاً حذفت منه التاء أصله تتولوا. ويجوز أن يكون ماضياً وتوليهم عن ما جئت به في أمر عيسى وفي صحة نبوتك ومعنى علمه تعالى اطلاعه على أحوالهم فيعاقبهم على توليهم. و ﴿ بِٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ جاء باسم الفاعل الدال على الثبوت وجاء جمعاً ليعمهم وغيرهم من أهل الفساد.﴿ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ ﴾ قال ابن عباس: نزلت في القسيسين والرهبان بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم إلى جعفر وأصحابه بالحبشة فقرأها جعفر والنجاشي جالس وأشراف الحبشة. وقيل: نزلت في وفد نجران واللفظ عام فيهم وفي غيرهم.﴿ سَوَآءٍ ﴾ صفة للكلمة وهو مصدر وصف به أي مستوية. ﴿ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾ وهذا دعاء إنصاف. وقرىء سواء بالنصب وخرج على أنه منصوب على المصدر بفعل محذوف استوت استواء ويجوز انتصابه على الحال من النكرة وإن لم توصف نص على ذلك سيبويه.﴿ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ ٱللَّهَ ﴾ في موضع جر على البدل من كلمة. ﴿ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ﴾ توكيد للجملة التي قبلها لأن من أفرد العبادة لله تعالى وحصرها فيه لا يشرك بالله شيئاً وانتصب شيئاً على أنه مفعول به أو مصدر ﴿ وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً ﴾ أي لا نتخذهم. ﴿ أَرْبَاباً ﴾ فنعتقد فيهم الالهية ونعبدهم على ذلك كعزير وعيسى عليهما السلام. ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ عن الإِقرار بالكلمة. ﴿ فَقُولُواْ ٱشْهَدُواْ ﴾ أي اعلموا أنا مباينون لكم منقادون لها وهذه الآية في الكتاب الذي وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع دحية إلى عظيم بُصْرَى فدفعه إلى هرقل.