﴿ وَإِذْ قُلْنَا ﴾ قيل إذ زائدة أو معطوفة على إذ في وإذ قال وقيل: منصوبة باذكر وقيل بأبي واختار أن العامل محذوف تقديره انقادوا فسجدوا لأن السجود كان ناشئاً عن الانقياد وفي قلنا خروج عن ضمير المتكلم المفرد إلى ضمير الجمع أو المعظم نفسه وناسبت النون الآمر لأنه في غاية التعظيم والتعظيم ادعى لامتثال الأمر من غير بطىء ولا تأوّل ولذلك نظائر. وقلنا يا آدم اسكن وقلنا يا نوح اهبط، قلنا يا نار كوني، وقلنا لبني إسرائيل اسكنوا، وقلنا لهم ادخلوا، والخلاف في الملائكة أهو عام أم الذين في الأرض كهو في وإذ قال ربك للملائكة. وقرىء ﴿ لِلْمَلَٰئِكَة ٱسْجُدُواْ ﴾ بضم التاء وغلطت هذه القراءة وخطئت ونقل انها لغة لا زد شنوءة، وهذا الضم اتباع لضمة جيم اسجدوا، واسجدوا أمر بالسجود أمر تكليف وفهموا منه أنه على الفور وظاهر السجود وضع الجبهة وانه كان " لآدم " تكرمة له وقيل لله تعالى ونصبه قبْله فالمعنى إلى آدم واللام في لآدم للتبيين.﴿ فَسَجَدُواْ ﴾.
أي له.﴿ إِلاَّ إِبْلِيسَ ﴾ استثناء من واجب فيرجح النصب وهو متصل عند الجمهور وامتنع إبليس من الصرف للعلمية والعجمة ومن جعله مشتقاً. قال: وشبه العجمة لكونه لم يسم به أحد من العرب فصار خاصاً بمن أطلقه الله تعالى عليه وكأنه دخيل في لسانهم وهو علم مرتجل والظاهر أنه مندرج في الملائكة فهو منهم ولذلك ترتب الذم له والطرد. وقيل: هو استثناء منقطع وأنه أبو الجن كما أن آدم أبو البشر.﴿ أَبَىٰ ﴾ امتنع وأنف من السجود.﴿ وَٱسْتَكْبَرَ ﴾ تعاظم في نفسه واحتقر من أُمِر بالسجود له والاستكبار من أفعال القلوب وقدم الآباء عليه وإن كان أول لأن الآباء هو الظاهر وهو ناشىء عن الاستكبار ولما كان الاستناد إلا على أن إبليس ترك السجود ذكر سبب امتناعه من السجود فكأنه قيل: وما له لِمَ لمْ يسجد؟ فقيل: أبى. ومفعوله محذوف أي أبى السجود وأبى فعل واجب. ومعناه النفي، وأبى كذا، أبلغ من لم يفعل كذا، لأن النفي بلم قد يكون لعجز أو غيره وأبى يدل على الامتناع والانفة وإن كان متمكناً من فعل الشيء.﴿ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ أي كان في علم الله ممن سيكفر أو وصار من الكافرين ولا تدل صلة أل على أنه سبقه كفار في الأرض. ولما شرف تعالى آدم برتبة العلم وإسجاد الملائكة امتنّ عليه بإِسكان الجنة التي هي دار النعيم وأسكن من السكون.﴿ وَقُلْنَا ﴾ معطوف على وإذ قلنا لا على ما بعد إذ. وفائدة النداء تنبيه المأمور لما يلقى إليه من الأمر واسكن وما بعده مشتمل على إباحة وهو الأمر بالسكنى والاذن في الأكل وتكليف وهو النهي الوارد ويدل وزوجك على وجودها زوجة له. قيل: الأمر بالسكنى واللغة الفصيحة زوج وقالوا: زوجة وزوجك معطوف على الضمير المتصل المستكن في أسكن المؤكد بانت ودعوى أنه من عطف الجمل والتقدير وليسكن زوجك ليست بصحيحة. والجنة: دار الثواب. وقيل: كانت في الأرض.﴿ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً ﴾ أي واسعاً كثيراً لا عناء فيه وتميم تسكن غين رغدا وقرىء به. و ﴿ حَيْثُ ﴾ ظرف مكان أذن لهما في الأكل في أي ناحية منها أرادا. وقول ابن عطية: ان النون حذفت من كلا للأمر لا يجوز إلا على مذهب الكوفيين، إذ يعتقدون أنه مجزوم بلام الأمر إذ أصله عندهم لتأكلا.﴿ وَلاَ تَقْرَبَا ﴾ مبالغة في النهي عن الأكل لأن النهي عن قربان الشيء أكد من النهي عن الشيء وان كان المعنى لا تقربا.﴿ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ ﴾ بالأكل لأن المأذون فيه هو الأكل وقرىء ولا تقربا - بكسر التاء -. وهذه: إشارة للحاضر القريب من المخاطب وقرىء هذه والشجرة نعت أو عطف بيان ويظهر أنها شجرة معينة من الجنس المعلوم وقيل الاشارة إلى جنس من الشجر معلوم ولهم في تعيين أي شجرة هي أقوال: وقرىء الشجرة - بكسر الشين، وبإِبدال الجيم ياءً وكسر الشين - وتصغّر على هذه اللغة شييرة.﴿ فَتَكُونَا ﴾ منصوب على جواب النهي وأجازوا أن يكون مجزوماً عطفاً على المجزوم ولا يدل العطف على السببية بخلاف النصب.﴿ مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ ﴾ لأنفسهما بمخالفة النهي ودل ذلك على أن النهي نهي تحريم.﴿ فَأَزَلَّهُمَا ﴾ أزل من الزلل، وهو عثور القدم. يقال منه: زلت قدمه وأزال من الزوال وهو التنحية. وقرىء فازالهما. و ﴿ ٱلشَّيْطَانُ ﴾ هنا إبليس بلا خلاف وذكروا في كيفية محادثة إبليس وأين كان منه اضطراباً. وقد قص الله تعالى ذلك مستوفى في سورة الأعراف وغيرها فيعتمد ذلك. والضمير في عنها عائد على الجنة قيل أو الشجرة أي أصدر زلتهما عن الشجرة: وعن: للتسبيب، كقوله:﴿ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ ﴾[التوبة: ١١٤]، والأول أظهر لقراءة فازالهما إذ يبعد فأزالهما عن الشجرة.﴿ مِمَّا كَانَا فِيهِ ﴾ من نعيم الجنة إلى شقاء الدنيا - والهبوط الخروج والدخول من الأضداد والمضارع يهبط - بكسر الباء وضمها - وقرىء: اهبطوا - بضم الباء وقيل: قوله:﴿ فَأَزَلَّهُمَا ﴾ جملة محذوفة، أي فأكلا من الشجرة ولما كان الأمر بالهبوط من الجنة فيه إنحطاط المنزلة لم يناده بخلاف ويا آدم اسكن واهبطوا أمر لجماعة آدم وحوّاء. قيل: وإبليس. وقيل: هما والحية أو هما فقط. لأن التثنية جمع في المعنى. ولقوله:﴿ قَالَ ٱهْبِطَا ﴾[طه: ١٢٣].
وقيل: هما وذريتهما، واندرجوا في الخطاب وإن لم يكونوا موجودين تغليباً للموجود والظاهر أنه هبوط واحد إلى الأرض لا هبوط إلى سماء الدنيا ثم هبوط إلى الأرض. وقالوا: هبطت حوّاء بجدة، وآدم عليه السلام بسرنديب بواد يقال له واشم، والحية بسجستان. وهي أكثر بلاد الله حيات. و ﴿ ٱهْبِطُواْ ﴾ أمر تكليف وإزعاج. والعداوة تفسر تفسير الضمير في اهبطوا. والجملة حال أي متعادين وليس خلوها من الواو شاذاً خلافاً للفراء وتبعه الزمخشري وليست حالاً منتقلة بل لازمة إذ لا ينفك وقوع الفعل إلا ملتبساً بها. وقال مكي: جملة مستأنفة إخبار من الله تعالى بأن بعضهم لبعض عدو وتخيل أن الحال بعد الأمر يقتضي أن يكون مأموراً بها ومستقر مكان استقرار أو استقرار وهو من القرار وهو اللبث والاقامة.﴿ وَلَكُمْ ﴾ هو الخبر. و ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ متعلق بما تعلق به الخبر وتقديمه مسوغ الجوز الابتداء بالنكرة ولا يتعلق لكم بمستقر سواء أكان مكاناً أو مصدراً ولا يجوز أن يكون في الأرض حالاً والعامل فيه العامل في الخبر ولا أن يكون خبراً ولكم حال لامتناع: في الدار قائماً زيد على الصحيح، وامتناع قائماً في الدار زيد بإِجماع. و ﴿ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ أي إلى أجل أو إلى قيام الساعة وفيه دليل على عدم البقاء في الأرض ويتعلق بمتاع بمحذوف صفة لمتاع أوله ولمستقر وأفرد عدوّ على لفظ بعض أو لكونه يصلح للجمع.


الصفحة التالية
Icon