﴿ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ ﴾ قال ابن عباس: هي التوراة والإِنجيل وكفرهم بها من جهة تغيير الأحكام وتحريف الكلام أو الآيات التي في التوراة والإِنجيل من وصف النبي صلى الله عليه وسلم والإِيمان بهم كما بين بقوله:﴿ يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ ﴾[الأعراف: ١٥٧].
﴿ لِمَ تَلْبِسُونَ ﴾ تقدم الكلام على النهي عن لبسهم وكتمهم في البقرة. وهنا الإِنكار عليهم في قوله: لم، وفي البحر أجاز الفراء والزجاج في وتكتمون من قوله: لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق. النصب فتسقط النون من حيث العربية على قولك: لم تجمعون ذا وذا فيكون نصباً على الصرف في قول الكوفيين وبإِضمار ان في قول البصريين وأنكر ذلك أبو علي فقال: الاستفهام وقع على اللبس فحسب وأما تكتمون فخبر حتماً لا يجوز فيه إلا الرفع يعني أنه ليس معطوفاً على تلبسون بل هو استئناف خبر عنهم إنهم يكتمون الحق مع علمهم أنه حق. قال ابن عطية: قال أبو علي: الصرف هاهنا يقبح وكذلك إضمار أنْ لأنّ تكتمون معطوف على موجب مقرر ليس بمستفهم عنه وإنما استفهم عن السبب في اللبس واللبس موجب، فليست الآية بمنزلة قولهم: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، وبمنزلة قولك: أتقوم وأقوم. والعطف على الموجب المقرر قبيح متى نصب إلا في ضرورة شعر كما روي: وألحق بالحجاز فاستريحا وقد قال سيبويه في قولك: أسرت حتى تدخلها لا يجوز إلا النصب في تدخل لأن السير مستفهم عنه غير موجب. وإذا قلنا: أيهم سار حتى يدخلها رفعت لأن السير موجب والاستفهام إنما وقع عن غيره. " انتهى ". ما نقله ابن عطية عن أبي علي. وظاهره تعارض ما نقله مع ما قبله لأن ما قبله فيه ان الإِستفهام وقع على اللبس فحسب وأما تكتمون فخبر حتماً لا يجوز فيه إلا الرفع وفيما نقله ابن عطية أن تكتمون معطوف على موجب مقرر وليس بمستفهم عنه فيدل العطف على اشتراكهما في الإِستفهام عن سبب اللبس وسبب الكتم الموجبين وفرق بين هذا المعنى وبين أن يكون وتكتمون أخباراً محصناً لم يشترك مع اللبس في السؤال عن السبب وهذا الذي ذهب إليه أبو علي من أن الإِستفهام إذا تضمن وقوع الفعل لا ينتصب الفعل بإِضمار أن في جوابه تبعة في ذلك ابن مالك فقال في التسهيل حين عد ما تضمر أن لزوماً في الجواب فقال: أو لاستفهام لا يتضمن وقوع الفعل فإِن تضمن وقوع الفعل لم يجز النصب عنده نحو: لم ضربت زيداً فيجازيك، لأن الضرب قد وقع ولم نر أحداً من أصحابنا يشترط هذا الشرط الذي ذكره أبو علي وتبعه فيه ابن مالك في الإِستفهام بل إذا تعذر سبك مصدر مما قبله أما لكونه ليس ثم فعل ولا ما في معناه ينسبك منه وإما لاستحالة سبك مصدر مراد استقباله لأجل معنى الفعل فإِنما يقدر فيه مصدر مقدر استقباله مما يدل عليه المعنى فإِذا قال: لم ضربت زيداً فأضربك أي ليكن منك تعريف بضرب زيد فضرب منا وما رد به أبو علي على أبي اسحاق ليس بمتجه لأن قوله: لم تلبسون، وليس نعتاً على أن المضارع أريد به الماضي حقيقة إذ قد ينكر المستقبل لتحقق صدوره لا سيما على الشخص الذي تقدم منه وجود أمثاله ولو فرضنا أنه ماض حقيقة فلا رد فيه على أبي إسحاق لأنه كما قررنا قبل أنه إذا لم يكن سبق مصدر مستقبل من الجملة سبكناه من لازم الجملة وقد حكى أبو الحسن بن كيسان نصب الفعل في جواب الاستفهام حيث الفعل المستفهم عنه محقق الوقوع نحو: أين ذهب زيد فنتبعه، وكذلك في كم مالك فنعرفه، ومن أبوك فنكرمه، لكنه يتخرج على ما سبق ذكره من أن التقدير ليكن منك إعلام بذهاب زيد فاتباع منا وليكن منك إعلام بقدر مالك فمَعرفة منا، وليكن منك إعلام بابيك فاكرام مناله." انتهى ". وقرأ عبيد بن عمير: لم تلبسوا وتكتموا، بحذف النون فيهما قالوا: وذلك جزم قالوا ولا وجه له سوى ما ذهب إليه شذوذ من النحاة في الحاق لِمَ بِلَمْ في عمل الجزم.(قال) السجاوندي ولا وجه له إلا أنّ لم تجزم الفعل عند قوم كلم. " انتهى ". والثابت في لسان العرب أنّ لم لا ينجزم ما بعدها ولم أر أحداً من النحويين ذكر انّ لم تجري مجرى لم في الجزم إلا ما ذكره أهل التفسير هنا وإنما هذا عندي من باب حذف النون حالة الرفع وقد جاء ذلك في النثر قليلاً جداً وذلك في قراءة أبي عمرو من بعض طرقه قالوا: ساحران تظاهرا بتشديد الظاء أي أنتما ساحران تتظاهران فأدغم التاء في الظاء وحذف النون. وأما في النظم فنحو قول الراجز: أبيت أسرى وتبيتي تدلكي يريد تبيتين تدلكين. فقال آخر: فإن يك قوم سرهم ما صنعتم ستحتلبوها لاحقاً غير باهل﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ جملة حالية نص عليهم اللبس والكتم مع علمهم بما يترتب على ذلك من عقاب الله تعالى إياهم.