﴿ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ ﴾ هو على حذف مضاف تقديره ميثاق أتباع النبيين لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ ﴾، هو محمد صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمانه حين جاء النبيون فتعين أن يكون التقدير ميثاق أتباع النبيين وجاء بالخطاب على سبيل الالتفات وقرىء بفتح اللام ووجهه أن اللام هي الموطئة وما شرطية مفعولة بآتيناكم ومن كتاب تفسير لما. وآتيناكم ماض أريد به المستقبل ثم جاءكم معطوف عليه، وجواب القسم لتؤمنن به وما بعده، وجواب الشرط محذوف. والآية مما اجتمع فيه القسم والشرط فجاء الجواب للسابق منهما وهو القسم. وفي البحر (قال) ابن عطية والزمخشري: ما من لما أتيناكم شرطية إلى آخر كلامهما. وقال مثل ذلك المازني والزجاج والفارسي وفيه خدش لطيف جداً وذلك أنه إذا كانت شرطية كان الجواب محذوفاً لدلالة جواب القسم عليه وإذا كان كذلك فالمحذوف من جنس المثبت ومتعلقاته متعلقاً به. فإِذا قلت: والله لمن جاءني لأكرمنه فجواب من محذوف التقدير من جاءني أكرمه وفي الآية اسم الشرط ما، وجوابه محذوف من جنس جواب القسم. وهو الفعل المقسم عليه، ومتعلق الفعل هو ضمير الرسول بوساطة حرف الجر لا ضمير ما فجواب ما للقدر إن كان من جنس جواب القسم فلا يجوز ذلك لأنه تعدى والجملة الجوابية إذ ذاك من ضمير يعود على اسم الشرط وإن كان من غير جنس جواب القسم فكيف يدل عليه جواب القسم وهو من غير جنسه وهو لا يحذف إلا إذا كان من جنس جواب القسم ألا ترى انك لو قلت: والله ان ضربني زيد لأضربنه، كيف تقدره إن ضربني زيد أضربه. ولا يجوز أن يكون التقدير والله لئن ضربني زيد أشكه لأضربنه لأن لأضربنه لا يدل على لشكه فهذا ما يرد على قول من خرج ما على انها شرطية (قال) الزمخشري: ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً. " انتهى ". هذا قول ظاهره مخالف لقول من جعل ما شرطية لأنهم نصوا على أن جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه إلا أن عنى أنه من حيث تفسير المعنى لا من حيث تفسير الإِعراب يسد مسدهما فيمكن أن يقال وأما من حيث تفسير الإِعراب فلا يصح لأن كلا منهما أعني الشرط والقسم يطلب جواباً على حدة ولا يمكن أن يكون هذا محمولاً عليهما لأن الشرط يقتضيه على جهة العمل فيه فيكون في موضع جزم والقسم يطلبه على جهة التعلق المعنوي به بغير عمل فيه فلا موضع له من الإِعراب ومحال أن يكون الشيء الواحد له موضع من الإِعراب ولا موضع له من الإِعراب وقرىء لما بكسر اللام ووجهه ان اللام للتعليل وما موصولة بمعنى الذي والعائد عليها محذوف من صلتها أي آتينا كموه وعطف على الصلة ثم جاءكم والعائد فيه محذوف تقديره ثم جاءكم به أي بنظيره. وأجاز الزمخشري أن تكون ما مصدرية (قال): ومعناه لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم بمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به على أن ما مصدرية والفعلان معها أعني آتيناكم وجاءكم في معنى المصدرين. " انتهى ". ويكون تعليلاً لأخذ الميثاق. وفي البحر (قال) الزمخشري: ما في قراءة حمزة لما آتيناكم مصدرية ومعناه لأجل إيتاني إياكم بعض الكتاب والحكمة ثم لمجيء رسول الله مصدق لما معكم لتؤمنن به على أن ما مصدرية والفعلان معها أعني آتيناكم وجاءكم في معنى المصدرين واللام داخلة للتعليل على معنى أخذ الله ميثاقهم ليؤمنن بالرسول ولينصرنه لأجل أن آتيتكم الحكمة وأن الرسول الذي أمرتكم بالإِيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف. انتهى هذا التعليل. والتقدير الذي قدره ظاهره أنه تعليل للفعل المقسم عليه فإِن عني هذا الظاهر فهو مخالف لظاهر الآية لأن ظاهر الآية يقتضي أن يكون تعليلاً لأخذ الميثاق لا لمتعلقه وهو الإِيمان فاللام متعلقة بأخذ وعلى ظاهر تقدير الزمخشري تكون متعلقة بقوله: لتؤمنن به، ويمتنع ذلك من حيث أن اللام المتلقى بها القسم لا يعمل ما بعدها فيما قبلها تقول: والله لأضربن زيداً. ولا يجوز والله زيداً لأضربن فعلى هذا لا يجوز أن تتعلق اللام في لما بقوله لتؤمنن به. وقد أجاز بعض النحويين في معمول الجواب إذا كان ظرفاً أو مجروراً تقدمه وجعل من ذلك عوض لا نتفرق. وقوله تعالى:﴿ عَمَّا قَلِيلٍ لَّيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ ﴾[المؤمنون: ٤٠]، فعلى هذا لا يجوز أن تتعلق بقوله: ﴿ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ ﴾، وفي هذه المسألة تفصيل مذكور في النحو. وقرىء لما بفتح اللام وتشديد الميم وخرج على أن لما هي الطالبة للجواب، وتقديره أخذ عليكم الميثاق، ولما المقتضية للجواب حرف عند سيبويه، وظرف بمعنى مين عند المبرد. وتبعه الزمخشري وابن عطية في لما هذه وهو مذهب فاسد ومن ادعى أن أصلها بمن ما فحذفت منه ميم واحدة فصار لما فقوله في غاية وينزه كلام الله عنه ويلزم أن تكون اللام الموطئة دخلت على حرف الجر نحو أقسم بالله لمن أجلك لأضربن عمراً، لم يجز لأن الموطئة لا تدخل إلا على أداة شرط. وقرىء آتيناكم بنون العظمة وبالتاء وتناسب قوله احدى. وقدم الايمان بالله لأنه الأصل ثم النصر لأنه من ثمرة الإِيمان.﴿ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ ﴾ الضمير عائد على الله في قال. وأأقررتم: استفهام معناه الإِستثبات بعد أخذ الميثاق. ﴿ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ ﴾ أي على الإِيمان والنصرة. ﴿ إِصْرِي ﴾ عهدي وقرىء اصري بضم الهمزة وكسرها. ﴿ قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا ﴾ معناه أقررنا بالإِيمان به وبنصرته وقبلنا ذلك والتزمناه، وثم جملة محذوفة أي أقررنا وأخذنا على ذلك الأمر.﴿ قَالَ فَٱشْهَدُواْ ﴾ أي يشهد بعضكم على بعض والتقدير أقررتم فاشهدوا أتى بالفاء رابطة بين الجملتين ونظير ذلك قولك: ألقيت زيداً؟ قال: لقيته. قال: فأحسن إليه! لتقدير لقيت زيداً فأحسن إليه.﴿ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ ﴾ استئناف معناه التوكيد. ﴿ بَعْدَ ذٰلِكَ ﴾ الإشارة إلى الإِقرار وأخذ الأصر المذكورين بعد الإِيمان والنصرة. ﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ ﴾ الهمزة للإِنكار والتنبيه على الخطأ في التولي والإِعراض وأضيف الدين إلى الله لأنه تعالى هو الذي شرعه وتعبد به الخلق. وقرىء تبغون بالتاء وبالياء.﴿ وَلَهُ أَسْلَمَ ﴾ أي انقاد وانتصب طوعاً على المصدرية أو على الحال وقسم الإِسلام الى نوعين: أحدهما طوع كانقياد الملائكة والأنبياء ومن أجاب إلى الدين بغير تلبث ولا فكر كانقياد أبي بكر الصديق. والآخر: كره وهو من انقاد لأجل السيف وكثير من هؤلاء من حسن حاله في الإسلام فانقاد إليه طوعاً. ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ أي إلى جزائه وفي ذلك تهديد.