﴿ فَتَلَقَّىٰ ﴾ تفعّل من اللقاء وافق تفعّل في المعنى المجرد وهو لقي، نحو: تعدّاك الأمر عداك. وقول من قال: أصله تلقن فأبدل من النون ألفاً لا يصح. وقرىء برفع آدم ونصب كلمات وبالعكس والتلقي الوصول ومن يلقاك فقد تلقيته. واختلفوا في تعيين الكلمات وقد أبهمها الله تعالى وقال سبحانه في سورة الأعراف:﴿ قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ ﴾[الآية: ٢٣].
فلا يبعد أن تكون هذه الكلمات.﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ قبلها جمله محذوفة أي فقالها فتاب عليه أي فتفضل عليه بقبول توبته وأخبر عنه وحده لأنه هو المواجه بالأول والنهي وهي تابعة له أو طوى ذكرها كما طوى ذكرها في قوله وعصى آدم ربه فغوى وطي ذكر النساء في القرآن والسنة كثير. وقرىء أنه بفتح الهمزة على التعليل وفي المكسورة أيضاً ربط معنوي كقوله:﴿ وَمَآ أُبَرِّىءُ نَفْسِيۤ إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ ﴾[يوسف: ٥٣].
وبالغ بقوله: هو وبالصفتين اللتين للمبالغة وتأخر الرحيم لأجل الفاصلة.﴿ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ ﴾ تأكيد للأوّل أو لاختلاف ما جاء بعدهما فالأوّل معلق بالعداوة، والثاني بآيتان الهدى أو هما هبوطان كما تقدم." وجميعاً " حال. فقال ابن عطية: كأنه قال هبوطاً جميعاً أو هابطين جميعاً جعله نعتاً لمصدر محذوف أو لاسم فاعل محذوف كل منهما يدل عليه الفعل. قال: لأن جميعاً ليس بمصدر ولا اسم فاعل وهذا التقدير مناف للحكم الذي صدره لأنه قال: أوّلاً وجميعاً حال من الضمير في اهبطوا فإِذا كان حالاً على ما قرر أوّلاً فكيف يقدر ثانياً ذلك التقدير.﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم ﴾ كثر مجيىء مثل هذا التركيب في القرآن فاما نذهبن واما ينزغنك. وقال المهدوي وتبعه ابن عطية: امّا هي إنْ التي للشرط زيدت عليها ما للتوكيد في الفعل ولو سقطت يعني ما لم تدخل النون فما تؤكد أوّل الكلام والنون تؤكد آخره. وقال ابن عطية: دخلت ما مؤكدة ليصح دخول النون المشدّدة فهي تشابه لام القسم التي تجيء لمجيء النون. " انتهى ". وكون النون لازمة لفعل الشرط إذا وصلت أن بما قول للمبرد والزجاج واما سيبويه والفارسي وجماعة فجوّزوا حذف النون في الكلام إذا وصلت ان بما وان كان الحسن إثباتها ولم يخصوا ذلك بضرورة الشعر كما ذهب إليه المبرد والزجاج. و ﴿ مِّنِّي ﴾ متعلق بيأتينكم وانتقل من ضمير المعظم نفسه أو ضمير أكثر من الواحد إلى ضمير المتكلم الخاص به إشعاراً بأن الهدى لا يكون إلا منه تعالى وأن الحيز كله منه ودخلت ان وإن كانت للمحتمل وقوعه وهداه واقع لا محالة لأنه ابهم وقت الاتيان، وهذا الخطاب يدل على اندراج الذرية فيه وإن كانوا وقت خطاب أصلهم غير موجودين والتقسيم إلى متبع الهدى والكافر يدل عليه والهدى هو الكتب الالهية على أيدي الرسل عليهم السلام فمن تبع هداي جعل الهدى بمنزلة الامام المتبع المقتدي به وفي إضافته إليه تعالى من التعظيم ما لا يكون فيه لو أتى معرفاً باللام وإن كان ذلك سبيل ما يكون نكرة ثم يعاد وجواب فاما يأتينكم فمن تبع هداي. وقال السجاوندي: جوابه محذوف تقديره فاتبعوه. " انتهى ". وذهل عن أنه لا يحذف الجواب ألا ويكون فعل الشرط ماضي اللفظ أو منفياً بلم وعن الكسائي جواب الشرطين معا فلا خوف، ونصوص المعربين والمفسرين على أن من في. " فمن تبع " شرطية ويجوز عندي أن تكون موصولة بل يترجح لقوله في قسمه.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ ﴾ فأتى به موصولاً ودخول الفاء على الجملة الخبرية جائز هنا قرىء هدايْ بسكون الياء وهديّ وهي لغة هذلية. وقرىء فلا خوف بالفتح في جميع القرآن وبالرفع من غير تنوين خوف لكثرة الاستعمال أو على نية ألْ وبالرفع والتنوين عادل بين دخولها على مبتدأ أولاً وآخراً.(وقال) ابن عطية: والرفع على أعمالها أعمال ليس ولا يتعين ما قاله لأن أعمالها ليس قليل جداً وينبغي أن لا ينقاس ولأنه يزول التعادل فلا خوف عليهم نزّل المعنى منزلة الجرم وقدم انتفاء الخوف على انتفاء الحزن لأن انتفاء الخوف فيما هو آت آكد من انتفاء الحزن على ما فات ولذلك أبرزت جملة مصدّرة بالنكرة التي هي أوغل في باب النفي وأبرزت الثانية مصدّرة بالمعرفة. وفي قوله:﴿ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾، إشارة إلى اختصاصهم بانتفاء الحزن وإن غيرهم يحزن والظاهر عموم نفي الخوف والحزن عندهم لكن يختص ذلك بما بعد الدنيا لأنه قد يلحق المؤمن الخوف والحزن في الدنيا فلا يمكن الحمل على العموم.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ ﴾ قسيم لقوله: ﴿ فَمَن تَبِعَ هُدَايَ ﴾، وهو أبلغ من قوله: " ومن لم يتبع هداي "، وإن كان التقسيم اللفظي يقتضيه لأن نفي الشيء يكون بوجوه عدم القابلية بخلقه أو غفلة أو تعمد تركه فأبرز القسم في صورة ثبوتية مزيلة للاحتمال الذي يقتضيه النفي. ﴿ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ ﴾ معين أنه يراد بالكفر هنا الشرك لا كفر النعمة ولا كفر المعصية والتكذيب بالآيات يدل على أنه بالكتب الالهية والاخبار الربانية لأن محل التصديق والتكذيب هو الخبر. ﴿ أُولَـٰئِكَ ﴾ مبتدأ وجوز أن يكون عطف بيان وبدلاً. فيكون ﴿ أَصْحَٰبُ ﴾ خبرا والذين. و ﴿ هُمْ فِيهَا ﴾ خبر ثان لأولئك وتفسير وتبيين أن الصحبة أريد بها الملازمة لا مجرد الاقتران بل الخلود الدائم وحذف من القسيم الأول ذكر كونه في الجنة وعبر بانتفاء الخوف والحزن وحذف من الثاني لحاق الخوف والحزن وعبر بخلوده في النار.


الصفحة التالية
Icon