﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾ الآية مناسبتها لما قبلها، أنه لما نهاهم عن اتخاذ بطانة من الكفار ووعدهم أنهم إن صبروا واتقوا فلا يضرهم كيدهم ذكرهم بحالة اتفق فيها بعض طواعية واتباع لبعض المنافقين وهو ما جرى يوم أحد لعبد الله بن أبي سلول حين انخذل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه في الانخذال ثلاثمائة رجل من منافق وغيرهم من المؤمنين، وان ذلك كله كان في غزوة أحد وفيها نزلت هذه الآية كلها، ومعنى غزوة خروجه من عند أهله وفسر ذلك بخروجه من حجرة عائشة رضي الله عنها يوم الجمعة غدوة.﴿ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾ أي مواطن للقتال وعبر بالقعود لأنه الدال على الثبوت للشيء، قال الزمخشري وقد اتسع في قعد وقام حتى أجريا مجرى صار، " انتهى ". أما إجراء قعد مجرى صار، فقال: أصحابنا إنما صار في لفظة واحدة وهي شاذة لا تتعدى وهي في قولهم: شحذ شفرته حتى قعدت كأنها حربة أي صارت وقد نقد على الزمخشري تخريج قوله تعالى: ﴿ فَتَقْعُدَ ﴾ ملوماً على أن معناه فتصير لأن ذلك عند النحويين لا يطرد وفي اليواقيت لأبي عمر الزاهي، قال ابن الأعرابي: القعد الصيرورة والعرب تقول: قعد فلان أميراً بعدما كان مأموراً أي صار وأما إجراء قام مجرى صار فلا أعلم أحداً عدها في أخوات كان ولا ذكر أنها تأتي بمعنى صار ولا ذكر لها خبراً إلا أبا عبد الله بن هشام الخضراوي فإِنه قال في قول الشاعر: على ما قام يشتمني لئيم   انها من أفعال المقاربة قال الزمخشري: أو عمل فيه بمعنى سميع عليم، " انتهى ". يعني في إذ همت وهذا غير محرر لأن العامل لا يكون مركباً من وصفين فتحريره أن يقول أو عمل فيه معنى سميع أو عليم وتكون المسألة من باب التنازع وجواز أن يكون معمولاً لتبوىء ولغدوت.﴿ إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ ﴾ الطائفتان بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وهما الجناحان، قاله ابن عباس: وكان خروجه عليه السلام في ألف، والمشركون في ثلاثة آلاف، فانخذل عبد الله بن أبي بن سلول بثلث الناس.﴿ وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾ فيه ثناء عليهما، إذ لم ينفذوا إليهم بل حضرا القتال وقرىء: وليهم على الجمع.﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ ﴾ لما أمرهم بالتوكل عليه ذكرهم بما يوجب التوكل عليه وهو ما سنى لهم وما يسر من الفتح والنصر يوم بدر وهم في حال قلة وذلة إذ كان ذلك النصر ثمرة التوكل عليه والثقة به.﴿ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ في أعين أعدائكم من القلة وان كانوا أعزاء في نفوسهم والنصر ببدر هو المشهور الذي قتل فيه صناديد قريش، وعلى يوم بدر انبنى الإِسلام وكان يوم الجمعة السابع عشر من رمضان الثمانية عشر شهراً من الهجرة.﴿ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الآية، ظاهر هذه الآية اتصالها بما قبلها وانها من قصة بدر هو قول الجمهور فيكون إذ معمولاً لنصركم وقيل هذا من تمام قصة أحد فيكون قوله: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ ﴾ معترضاً بين الكلامين لما فيه من التحريض على التوكل والثبات للقتال وحجة هذا القول أن يوم بدر كان المدد فيه من الملائكة بألف وهنا بثلاثة آلاف والكفار يوم بدر كانوا ألفاً والمسلمون على الثلث فكان عدد الكفار مقابلاً لعدد الملائكة ويوم أحد كان المسلمون ألفاً والكفار ثلاثة آلاف توعدوا بثلاثة آلاف من الملائكة، وقال: ويأتوكم من فورهم، أي: الأعداء ويوم بدر ذهب المسلمون إليهم، قال الزمخشري: فإن تلت كيف يصح أن يقوله لهم يوم أحد ولم تنزل فيه الملائكة؟ قلت: قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى عليهم فلم يصبروا عن الغنائم ولم يتموا حيث خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلذلك لم تنزل الملائكة ولو تموا على ما شرط عليهم لنزلت وإنما قدم الوعد بنزول الملائكة لتقوى قلوبهم ويعزموا على الثبات ويثقوا بنصر الله، " انتهى ". وقوله: لم تنزل فيه الملائكة ليس مجمعاً عليه بل قال مجاهد: حضرت فيه الملائكة ولم تقاتل، فعلى قول مجاهد يسقط السؤال، وقوله قاله لهم مع اشتراط الصبر والتقوى عليهم، فلم يصبروا عن الغنائم ولم يتقوا إلى آخره، المشرط بالصبر والتقوى هو الإِمداد بخمسة آلاف أما الإِمداد الأول هو بثلاثة آلاف فليس بمشروط ولا يلزم من عدم إنزال خمسة آلاف لقوات شرطة ان لا تنزل ثلاثة آلاف ولا شيء منها، قال ابن عطية: وقرأ الحسن بثلاثة آلاف يقف على الهاء وكذلك بخمسة آلاف ووجه هذه القراءة ضعيف لأن المضاف والمضاف إليه يقتضيان لاتصال إذ هما كالاسم الواحد وإنما الثاني كمال الأول، والهاء إنما هي إمارة وقف فيقلق الوقف في موضع إنما هو للاتصال قد جاء نحو هذا للعرب في مواضع فمن ذلك ما حكاه الفراء أنهم يقولون أكلت لحماً شاة يريدون لحم شاة فمطلوا الفتحة حتى نشأت عنها ألف كما قالوا في الوقف قالا: يريدون، قال: ثم مطلوا الفتحة في القوا في ونحوها من مواضع الروية والتثبت. ومن ذلك في الشعر قوله: ينباع من زفري غصوب جسرة   زيانة مثل العتيق المكرميريد ينبع فمطل. ومنه قول الآخر: أقول إذا حزت على الكلكال   يا ناقتا ما جلت من مجاليريد الكلكل. ومنه قول الآخر: فأنت من الغوائل حين ترمي   ومن ذم الرجال بمنتزاحيريد بمنتزح قال أبو الفتح: فإِذا جاز أن يعترض هذا التمادي بين أثناء الكلمة الواحدة جاز التمادي والتأني بين المضاف والمضاف إليه هما في حقيقة اثنان، " انتهى كلامه ". وهذا تكثير وتنظير بغير ما يناسب والذي يناسب توجيه هذه القراءة الشاذة انها من إجراء الوصل مجرى الوقف أبدلها هاء في الوصل كما أبدلو ما في الوقت وموجود في كلامهم إجراء الوصل مجرى الوقف وإجراء الوقف مجرى الوصل وأما قوله: لكن قد جاء في مواضع وجمع ما ذكر إنما هو من باب إشباع الحركة وإشباع الحركة ليس نحو إبدال التاء هاء في الوصل وإنما هو نظير قولهم: ثلاثة أربعة بدل التاء، هاء ثم نقل حركة همزة أربعة إليها وحذف الهمزة، فأجرى الوصل مجرى الوقف في الإِبدال ولأجل الوصل نقل إذ لا يكون هذا النقل الشر في الوصل، قال أبو عبد الله محمد بن أبي الفضل المرسي ألا يكفيكم جواب الصحابة. حين قالوا هلا أعلمتنا بالقتال لنتأهب فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ألن يكفيكم قال ابن عيسى والكفاية مقدار سد الخلة والامداد اعطاء الشيء حالاً بعد مال، " انتهى ". ومعنى من فورهم من سفرهم هذا قاله ابن عباس، أوجههم هذا قاله الحسن وقتادة السدي، قيل: وهي لغة هذيل وقيس بن غيلان وكنانة أو من غضبهم هذا قاله مجاهد وعكرمة والضحاك وأبو صالح المولى لعم هانىء أو معناه في نهضتهم هذه قاله ابن عطية أو المعنى من ساعتهم هذه، قاله الزمخشري: ولفظة الفور تدل على السرعة والعجلة تقول: افعل هذا على الفور لا على التراضي ومنه الفوز في الحج والوضوء وفي إسناد الإمداد إلى لفظه ربكم دون غيره من أسماء الله اشعار بحسن النظر لهم واللطف بهم وقرىء: مسوّمين بفتح الواو وكسرها واشتقاقه من السومة وهي العلامة وفي تعيين الاعلام خلاف الله أعلم بالصحيح من ذلك.


الصفحة التالية
Icon