﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَٰجُكُمْ ﴾ الآية. لما ذكر تعالى ميراث الفروع من الأصول وميراث الأصول من الفروع أخذ في ذكر ميراث المتصلين بالسبب لا بالنسب وهو الزوجية هنا ولم يذكر في القرآن التوارث بسبب الولاء والتوارث المستقر في الشرع هو بالنسب والسبب الشامل للزوجية والولاء وكان في صدر الاسلام يتوارث بالموالاة والحلف والهجرة فنسخ ذلك وقدم ذكر ميراث سبب الزوجية على ذكر الكلالة وإن كان بالنسب لتواشج ما بين الزوجين واتصالهما واستغناء كل واحد منهما بعشرة صاحبه دون عشرة الكلالة. وبدىء بخطاب الرجال لما لهم من الدرجات على النساء ولما كان الذكر من الأولاد حظه من الأنثى مثل حظ الأنثيين جعل في سبب التزوج الذكر له مثلاً حظ الأنثى ومعنى فإِن كان لهن ولد أي منكم أيها الوارثون أو في غيركم، والولد هنا ظاهره أنه في ولدته لبطنها ذكراً كان أو أنثى واحداً كان أو أكثر وحكم بين الذكور منها وإن سفلوا حكم الولد للبطن في أن فرض الزوج منها الربع مع وجوده بإِجماع والكلالة خلوّ الميت عن الولد والوالد. والكلالة في الأصل مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوة من الاعياء، فاستعيرت للقرابة من غير جهة الولد والوالد لأنها بالاضافة إلى قرابتها كالة ضعيفة. وقرىء يورث مبنياً للمفعول، ويورث مبنياً للفاعل، فعلى قراءة من قرأ يورث فانتصابها على المال من الضمير المستكن في يورث إذا وقع على الوارث احتيج إلى تقدير ذا كلالة لأن الكلالة ليست نفس الضمير في يورث، وإن كان معنى الكلالة القرابة فانتصابها على أنه مفعول من أجله أي يورث لأجل الكلالة. وعلى قراءة من قرأ يورث بكسر الراء فإِن كانت الكلالة هي الميت فانتصابها على الحال والمفعولان محذوفان التقدير يورث وارثه ما له في حال كونه كلالة وإن كان المعنى بها الوارث فانتصاب الكلالة على المفعول به بيورث ويكون المفعول الثاني محذوفاً تقديره يورث كلالة ماله أو القرابة فعلى المفعول من أجله والمفعولان محذوفان أيضاً.﴿ أَو ٱمْرَأَةٌ ﴾ معطوف على قوله: رجل، وحذف منه الكلالة لدلالة ما قبلها عليه وظاهر.﴿ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ ﴾ الاطلاق إذ الاخوة تكون من الاخياف والأعيان وأولاد العلات وأجمعوا على أن المراد في هذه الآية الاخوة للأم ويوضح ذلك قراءة أبيّ وله أخ أو أخت من الأم.﴿ فَإِن كَانُوۤاْ ﴾ الضمير عائد على الوارث ومعنى أكثر زائداً على أخ أو أخت.﴿ فَهُمْ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِ ﴾ وسيأتي أيضاً حكم الكلالة في آخر هذه السورة وجاءت الوصية مطلقة وهي مقيدة في الشرع بالثلث فما دونه إن كان للموصي وارث فإِن لم يكن له وارث فأجاز شريك وأبو حنيفة وأصحابه الوصية بجميع ماله.﴿ غَيْرَ مُضَآرٍّ ﴾ انتصب على الحال من الفاعل في يوصي وهذا القيد ليس مخصوصاً بهذه الآية الأخيرة بل هو معتبر في قوله: يوصي أولاً ويوصين وتوصون وحذف لدلالة ما بعده عليه، والمعنى غير مضار ورثته ووجوه الضرر كثيرة كان يوصي بأكثر من الثلث أو يجابى به أو يهبه أو يصرفه إلى وجوه القرب من عتق وغيره فراراً عن وارث محتاج أو يقر بدين ليس عليه. وانتصب: ﴿ وَصِيَّةً مِّنَ ٱللَّهِ ﴾ على أنه مصدر مؤكد أي يوصيكم الله بذلك وصية كما انتصب فريضة من الله أو مصدر في موضع الحال والعامل يوصيكم. وقرىء بإِضافة مضار لوصية، والمعنى غير مضار في وصية حذف في وأضاف اسم الفاعل كما قال: يا سارق الليلة أهل الدار   أصله يا سارقاً في الليلة، وانظر إلى حسن هذا التقسيم في الميراث وسبب الميراث هو الاتصال بالميت فإِن كان بغير واسطة فهو السبب وبدأ فيه بالفروع والأصول أو بسبب وهو الزوجية فالأول ذاتي والثاني عرضي ثم ذكر آخر الكلالة وهي الميراث الحواشي وليس أصولاً ولا فروعاً للميت والمذكورون في الآيتين قبل آية الكلالة لا يسقط أحد منهم في الميراث بخلاف الكلالة.


الصفحة التالية
Icon