﴿ يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ مفعول يريد محذوف وتقديره يريد الله هذا أي تحليل ما أحلّ وتحريم ما حرم وتشريع ما تقدم ذكره. وقيل: يريد في معنى المصدر من غير سابك تقديره إرادة الله ليبين لكم وهذان القولان عن البصريين. وقال الكوفيون: مفعول يريد هو ليبين، واللام زائدة، والمعنى يريد الله التبيين لكم واللام ناصبة بنفسها. وقال الزمخشري: أصله يريد الله أن يبين لكم فزيدت اللام مؤكدة لإِرادة التبيين كما زيدت في لا أباً لك لتأكيد إضافة الأب. والمعنى يريد الله أن يبين لكم ما خفي عنكم من مصالحكم وأفاضل أعمالكم. " انتهى كلامه ". وهو خارج عن أقوال البصريين والكوفيين أما كونه خارجاً عن أقوال البصريين فلأنه جعل اللام مؤكدة مقوية لتعدي يريد والمفعول متأخر وأضمر أن بعد هذه اللام واما كونه خارجاً عن قول الكوفيين فإِنهم يجعلون النصب باللام لإِبان وهو جعل النصب بأنْ مضمرة بعد اللام ومفعول يبني محذوف تقديره شرائع دينكم ومصالح أموركم، ويجوز عندي أن يكون من باب الأعمال فيكون مفعول ليبين ضميراً محذوفاً يفسره مفعول ويهديكم، نحو: ضربت وأهنت زيداً التقدير ليبينها لكم ويهديكم.﴿ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ أي ليبين لكم سنن الذين من قبلكم وهي مناهج الأنبياء والصالحين. قال ابن عطية: وتكرار إرادة الله للتوبة على عباده تقوية للأخبار الأوَل وليس المقصد في الآية الا الاخبار عن إرادة الذين يتبعون الشهوات فقدمت إرادة الله توطئة مظهرة لفساد إرادة متبعي الشهوات. " انتهى ". فاختار مذهب الكوفيين في أن جعلوا قوله ليبين في معنى أن يبين فيكون مفعولاً ليريد وعطف عليه ويتوب فهو مفعول مثله، ولذلك قال: وتكرار إرادة الله للتوبة على عباده.. إلى آخر كلامه. وكان قد حكى قول الكوفيين وقال: هذا ضعيف، فرجع آخر إلى ما ضعفه. وكان قد قدم إنّ مذهب سيبويه إن مفعول يريد محذوف والتقدير يريد الله هذا التبيين والشهوة هو ما يغلب على النفس محبته وهواه ولما كانت التكاليف الشرعية فيها قمع للنفس وردها عن مشتهياتها كان اتباع شهواتها سبباً لكل مذمة وعبر عن الكافر والفاسق بمتبع الشهوات كما قال تعالى:﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾[الأعراف: ١٦٩، مريم: ٥٩] الآية، واتباع الشهوة في كل حال مزموم لأن ذلك ائتمار لها من حيث ما دعت الشهوة إليه أما إذا كان الاتباع من حيث العقل أو الشرع فذلك اتباع لهما لا للشهوة ومتبعوا الشهوات هنا هم الزنا، قاله مجاهد. و ﴿ أَن تَمِيلُواْ ﴾ عن الحق أو إلى الشهوات.﴿ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً ﴾ ان لا يصبر عن الشهوات وعلى مشاق الطاعة.﴿ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ ﴾ الآية تقدم تفسير نظيرها ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما بين كيفية التصرف في النفوس بالنكاح بين كيفية التصرف في الأموال الموصلة إلى النكاح وإلى ملك اليمين وأن المهور والأثمان المبذولة في ذلك لا تكون مما ملكت بالباطل والباطل هو كل طريق لم تبحه الشريعة.﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ ﴾ استثناء منقطع إذا لم تندرج التجارة تحت أكل الأموال بالباطل. وقرىء تجارة بالنصب على خبر تكون وبالرفع على أن تكون تامة.﴿ عَن تَرَاضٍ ﴾ أي من البائع والمشتري والظاهر أنه إذا حصل التراضي جاز بيع التافه اليسير بالنفيس الكثير.﴿ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ ظاهره النهي عن قتل الانسان نفسه ويجوز أن يكون المعنى على النهي عن قتل بعضنا بعضاً.


الصفحة التالية
Icon