﴿ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ ﴾ الآية مناسبتها لما قبلها ظاهرة لأنه تعالى لما ذكر الوعيد على فعل بعض الكبائر ذكر الوعد على اجتناب الكبائر والظاهر أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وسيئات وهي التي عبّر عنها أكثر العلماء بالصغائر. قال ابن عباس: الكبائر كلما ورد عليه وعيد بنار أو عذاب أو لعنة أو ما أشبهه ذلك وإلى نحو من هذا ذهب الوزير أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الفارسي القرطبي رحمه الله تعالى قال: قد أطلت التفتيش عن هذا منذ سنين فصح لي أن كل ما توعد الله عليه بالنار فهم من الكبائر ووجدناه عليه السلام قد أدخل في الكبائر بنص لفظه أشياء غير التي ذكر في الحديث يعني الذي في البخاري فمنها قول الزور وشهادة الزور وعقوق الوالدين والكذب عليه صلى الله عليه وسلم وتعريض المرء أبويه للسّبّ بأن يسبّ آباء الناس وذكر عليه السلام الوعيد الشديد بالنار على الكبر وعلى كفر نعمة المحسن في الحق، وعلى النياحة في المآتم، وحلق الشعر فيها، وحذق الجيوب، والنميمة، وترك التحفظ من البول، وقطيعة الرحم، وعلى الخمر؛ وعلى تعذيب الحيوان بغير الذكاة، لأكل ما لا يحل أكله منها أو ما أبيح أكله منها، وعلى إسبال الإزار على سبيل التجوه، وعلى المنّان بما يفعل من الخير، وعلى المنفق سلعته بالحلف الكاذب، وعلى مانع فضل مائة من الشارب، وعلى الغلول، وعلى مبايعة الأئمة للدنيا فإِن أعطى منها وفي لهم وإن لم يعط منها لم يوف لهم، وعلى المقتطع بيمينه حق امرىء مسلم، وعلى الامام الغاش لرعيته، وعلى من ادعى لغير أبيه، وعلى العبد الآبق، وعلى من غل، ومن ادعى ما ليس له، وعلى لا عن من لا يستحق اللعن، وعلى بغض الأنصار، وعلى تارك الصلاة، وعلى تارك الزكاة، وعلى بغض عليّ رضي الله عنه، ووجدنا الوعيد الشديد في نص القرآن قد جاء على الزناة وعلى المفسدين في الأرض بالحرابة فصح بهذا قول ابن عباس. انتهى كلام ابن حزم رضي الله عنه. وقرىء: ﴿ مُّدْخَلاً ﴾ بضم الميم وهو مصدر أو مكان الادخال، وبفتح الميم وهو مكان الدخول أو مصدر وهو منصوب بفعل محذوف تقديره فتدخلون مدخلاً حذف الدلالة الفعل المطاوع عليه.﴿ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ ﴾ الآية قال قتادة والسدي: لما نزل للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال: انا لنرجو أن نفضل على النساء في الحسنات كالميراث: وقال النساء: إنا لنرجو أن يكون الوزير علينا نصف ما على الرجال كالميراث فنزلت للرجال نصيب الآية. المعنى أن الله تعالى جعل لكل من الصنفين مكاسب تختص به فلا يتمنى أحد منهما ما جعل للآخر فجعل للرجال الجهاد والانفاق في المعيشة وحمل التكاليف الشاقة كالاحكام والامارة والحسبة وغير ذلك، وجعل للنساء الحمل ومشقته وحسن التبعل وحفظ غيب الزوج وخدمة البيوت. وقيل: المعنى مما اكتسب من نعيم الدنيا فينبغي أن يرضى بما قسم. وهذه الأقوال الثلاثة هي بالنسبة لأحوال الدنيا. وقال الزمخشري: جعل ما قسم بما قسم لكل من الرجال والنساء على حسب ما عرف الله في حاله الموجبة للبسط والقبض كسبالة. " انتهى ". وفي قوله عرف الله نظر فإِنه لا يقال في الله عارف نص الأئمة على ذلك لأن المعرفة في اللغة تستدعي قبلها جهلاً بالمعروف وذلك بخلاف العلم فإِنه لا يستدعي جهلاً قبله وتسميته ما قسم الله له كسباً له فيه نظر أيضاً فإِن الاكتساب يقتضي الاعتمال والتطلب كما قلناه إلا ان قلنا ان أكثر ما قسم له يستدعي اكتساباً من الشخص فأطلق الاكتساب على جميع ما قسم له تغليباً للأكثر، وفي تعليق النصيب بالاكتساب حض على العمل وتنبيه على كسب الخير.﴿ وَٱسْأَلُواْ ﴾ قرىء بسكون السين وبالهمز إذا كان أمر مخاطب وقبله الفاء أو الواو. وقرىء بفتح السين فاحتمل أن يكون أصله بالهمز ونقلت حركتها إلى السين وحذفت الهمزة. واحتمل أن يكون من سأل يسأل كخاف يخاف فعين الفعل واو فهما مادتان ولذلك قيل: يتساءلان ويتساولان. ووهم ابن عطية في ذكره الإِجماع على قوله: واسألوا ما أنفذتم، انه بالهمز لم يقرأ بغيره ونصوص المقرئين على خلاف قوله ونص على الخلاف فيه بخصوصه ابن شيطاني كتابه المستنير.﴿ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَٰلِيَ ﴾ الآية لما نهى عن التمني المذكور وأمر بسؤال الله من فضله أخبر تعالى بشيء من أحوال الميراث ولما ذكر أن للرجال نصيباً مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن وهو مما حصل بالتطلب والتكسيب ذكر حالهم فيما يحصل لهم بغير تعب ولا طلب فقال: ولكل، وهي مضافة لمحذوف تقديره ولكل إنسان جعلنا موالي، أي يكون أمره في قسمة ما يرث مما ترك أي من أجل ما ترك. ومن: للسبب.﴿ ٱلْوَٰلِدَانِ ﴾ أي والدا ذلك الانسان وأقربوه.﴿ وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ ﴾ هو في الزوج والمعنى أن الذين يقولون أمر الميراث ويوصلونه لمن يستحقه أمروا بأن يؤتى ما يحصل من الميراث لذلك الإِنسان. ويكون الأمر في قوله: فآتوهم، الذين يتولون النظر في ذلك، والضمير المنصوب في فآتوهم وفي نصيبهم عائد على كل إنسان مراعاً فيه الجمع وهذا الذي فهمته من الآية. وذكرنا في البحر في ذلك أقوالاً يوقف عليها فيه.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً ﴾ لما ذكر تشريع التوريث وأمر بإِيتاء النصيب أخبر أنه مطلع، على كل شيء فهو المجازي به وفي ذلك تهديد للعاصي ووعيد للمطيع وتنبيه على أنه شهيد على المعاقدة بينكم. والصلة: فأوفوا بالعهد.