﴿ وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ ﴾ أي صاحب الدار القريبة من دارك.﴿ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ ﴾ هو البعيد الدار من دارك.﴿ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ ﴾ أي المتصل المسكن بمسكنك المختال التياه الجهول الذي يتكبر عن إكرام أقاربه وأصحابه ومماليكه ولا يتخفى بهم ولا يلتفت إليهم.﴿ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾ قيل هو بدل مِنْ كن وقيل: من مختالاً فخوراً حملاً على لفظ من ثم قال: الذين حملا على المعنى ويجوز عندي أن يكون صفة لمن ولم يذكروا هذا الوجه. وقيل: هو في موضع رفع على إضمار مبتدأ تقديره هم الذين يبخلون، وهذه الأقوال على تقدير اتصال الذين بما قبله، ومن أعرب الذين مبتدأ فهو قلق إذ لم يصرّح في الآية بخبر.﴿ وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ ﴾ معطوف على الذين يبخلون، وتقدم تفسيرها في البقرة.﴿ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً ﴾ لما ذكر تعالى من اتصف بالبخل والأمر به وكتمان فضل الله والانفاق رئاء وانتفاء إيمانه بالله وباليوم الآخر ذكر أن هذه من نتائج مقارنة الشيطان ومخالطته وملازمته للمتصف بذلك لأنها شر محض إذ جمعت بين سوء الاعتقاد الصادر عنه الانفاق رئاء وسمعة، وسائر تلك الأوصاف المذمومة ولذلك قدم تلك الأوصاف وذكر ما صدرت عنه وهو انتفاء الإِيمان بالموجد وبدار الخبراء، ثم ذكر أن ذلك من مقارنة الشيطان والقرين المقارن. وساء هنا بمعنى بئس وهي لا تتصرف ولذلك دخلت الفاء في جواب من الشرطية. وقال ابن عطية: وقرن الطبري هذه الآية بقوله تعالى:﴿ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾[الكهف: ٥٠] وذلك مردود لأن بدلاً حال وفي هذا نظر. " انتهى ". والذي قاله الطبري صحيح وبدلاً تمييز لا حال وهو مفسر للضمير المستكن في بئس على مذهب البصريين والمخصوص بالذم محذوف تقديره هم أي الشيطان وذريته وإنما ذهب إلى إعراب المنصوب بعد نعم، وبئس حالاً الكوفيون على اختلاف بينهم مقرر في علم النحو، والظاهر أن هذه المقارنة في الدنيا.﴿ وَمَاذَا عَلَيْهِمْ ﴾ أي في الإِيمان بالله واليوم الآخر والانفاق في سبيل الله.﴿ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ ﴾ لحصلت لهم السعادة ويحمل أن تكون جملة واحدة وذلك على مذهب من يثبت أنّ لو تكون مصدرية في معنى ان، كأنه قيل: ماذا عليهم إذا آمنوا، أي في الإِيمان بالله، ولا جواب لها إذ ذاك، فتكون كقول الشاعر: ماذا عليه إن ذكرت أو انسا كغزلان رمل في محاريب إقبالوماذا استفهام فيه معنى الإِنكار. قال ابن عطية: وجواب لو في قوله: ماذا، فهو جواب مقدم. " انتهى ". إذا أراد ظاهر هذا الكلام فليس موافقاً لكلام النحويين لأن الاستفهام لا يقع جواب لو ولأن قولهم: أكرمتك لو قام زيد ان ثبت أنه من كلام العرب حُمل على أن أكرمتك دل على الجواب لا جواب كما قالوا في قولهم: انتِ طالق إن فعلت، وإن أراد تفسير المعنى فيمكن ما ماله.﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ﴾ الآية مناسبتها لما قبلها واضحة لأنه تعالى لما أمر بعبادته وبالإِحسان للوالدين ومن ذكر معهم ثم أعقب ذلك بذمّ البخل والأوصاف المذكورة معه ثم وبّخ من لم يؤمن ولم ينفق في طاعة الله فكان هذا كله توطئة لذكر الجزاء على الحسنات والسيئات فأخبر تعالى بصفة عدله وأنه لا يظلم أدنى شيء. ثم أخبر بصفة الاحسان فقال: ﴿ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَٰعِفْهَا ﴾ ويظلم يتعدى لواحد وهو محذوف وتقديره لا يظلم أحداً مثقال ذرة وينتصب مثقال على أنه نعت لمصدر محذوف أي ظلماً وزْن درة كما تقول: لا أظلم قليلاً ولا كثيراً، وقيل: ضمنت معنى ما يتعدى لاثنين فانتصب مثقال على أنه مفعول ثان والأول محذوف التقدير لا ينقص أو لا يغصب أولاً يبخس أحداً مثقال ذرة من الخير أو الشر. وقرىء: وإن تك حسنة بالنصب فتكون ناقصة، واسمها مستتر فيها عائد على مثقال، وأنت الفعل لعوده على مضاف إلى مؤنث أو على مراعاة المعنى لأن مثقال معناه زنة أي وإن تك زنة ذرة. وقرىء بالرفع على أن تك تامة تكتفي بمرفوع.