﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾ قيل: هم اليهود. وقيل: النصارى وتزكيتهم قولهم نحن أبناء الله وأحباؤه: وفي ذلك غضّ على من يزكي نفسه بلسانه ويصفها بزيادة الطاعة والتقوى. قال ابن عطية: كيف يصح أي ردّ أن يكون في موضع نصب بيفترون ويصح أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله: ويفترون. " انتهى ". أما قوله: يصح أن يكون في موضع نصب بيفترون فصحيح. وأما قوله: ويصح أن يكون في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله: يفترون، فهذا لم يذهب إليه أحد لأن كيف ليست من الأسماء التي يجوز الابتداء بها. وإنما قوله: ﴿ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ ﴾ في التركيب نظير قولك: كيف يضرب زيد عمراً ولو كانت مما لا يجوز الإِبتداء بها ما جاز أن يكون مبتدأ في هذا التركيب لأنه ذكر أن الخبر هي الجملة من قوله: يفترون، وليس فيها رابط يربط هذه الجملة بالمبتدأ وليست الجملة نفس المبتدأ في المعنى فلا يحتاج إلى رابط فهذا الذي قال فيه ويصح فاسد على كل تقدير.﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ ﴾ أجمعوا على أن المراد بأهل الكتاب هنا اليهود والكتاب التوراة وسبب نزولها أن كعب بن الأشرف وحُيَيَّ بن أخطب وجماعة خرجوا إلى مكة يحالفون قريشاً على محاربة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنتم أهل كتاب وأنتم أقرب إلى محمد وإن محمداً صاحب كتاب، فلا نأمن أن يكون هذا مكراً منكم إلينا فاسجدوا لآلهتنا حتى نطمئنّ إليكم. ففعلوا فقال أبو سفيان: أنحن أهدى سبيلاً أم محمد؟ قال كعب: ماذا يقول محمد، قالوا: يأمر بعبادة الله وحده ونهى عن الشرك. قال كعب: وما دينكم؟ قالو: نحن ولاة البيت نسقي الحاج ونقري الضعيف ونفك العاني، وذكروا أفعالهم. فقال: أنتم أهدى سبيلاً. والجبث والطاغوت ضمان كانا لقريش، وقيل: غير ذلك.﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ ٱلْمُلْكِ ﴾ أم هنا منقطعة التقدير بل إليهم تصيب من الملك انتقل من كلام إلى كلام بأم واستفهم على سبيل الانكار أن يكون لهم نصيب من الملك. قال الأزهري: الفتيل والنقير والقطمير يضرب مثلاً للشيء التافة الحقير، وخصت الأشياء الحقيرة بقوله:﴿ فَتِيلاً ﴾، في قوله: ﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾، وهنا بقوله: نقيراً الوفاق النظير من الفواصل.﴿ فَإِذاً لاَّ يُؤْتُونَ ﴾ الآية، وهو تصريح ببخلهم وإذا حرف جزاء وجواب، والتقدير من حيث المعنى أنهم إن كان لهم نصيب من الملك لا يسمحون بشيء وإن كان تافهاً لبخلهم، ثم انتقل من هذه الخصلة الذميمة إلى خصلة أشد منها وهي الحسد فالبخل: منع فضول خير من الإِنسان إلى غيره، والحسد: تمني زوال ما أعطى الله الإِنسان من الخير وإيتائه له، وفي ذلك إشارة إلى حسدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم من فضله وهو النبوة. ولذلك جاء بعده قوله تعالى: ﴿ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَٰهِيمَ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ ﴾ وإبراهيم هو جد رسول الله الأعلى وآل إبراهيم يحتمل أن يريد شخص إبراهيم عليه السلام. والكتاب الصحف التي نزلت على إبراهيم. وقد يراد بآله من كان من ذريته كموسى عليه السلام فيكون الكتاب التوراة.﴿ وَآتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً ﴾ هو ما كان في بني إسرائيل من الملوك كداود وسليمان، ألا ترى إلى قول موسى عليه السلام: إذ جعل منكم أنبياء وجعلكم ملوكاً الآية. ﴿ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ بِهِ ﴾ والضمير عائد على إبراهيم. وقيل: عائد على الكتاب، أي فمن آل إبراهيم من آمن بالكتاب.﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِنَا ﴾ لما ذكر ومنهم من صد عنه أتبعه بما لهم من العذاب ثم ذكر ما للمؤمنين من النعيم في الآخرة فصار نظير يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم، ثم قال: وأما الذين ابيضت. وقرىء: ﴿ نُصْلِيهِمْ ﴾ من أصلى ونصليهم من صليت. وقرىء بضم الهاء وكسرها. وندخلهم ظلاً ظليلاً قال أبو مسلم: الظليل هو القوي المتمكن. قال ونعت الشيء بمثل ما اشتق من لفظه يكون مبالغة كقولهم: ليل أليل وداهية دهياء.


الصفحة التالية
Icon