﴿ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ نودوا ثانياً على طريق التوكيد لينبّهوا على سماع ما يرد عليهم من شكر النعم. والفضل الزيادة في الخير وعطف الفضل على النعمة من عطف الخاص على العام وهو مما انفردت به الواو ويسمى التجريد كأنه جرّد من الجملة على سبيل التفضيل.﴿ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾ أي عالم زمانهم أو على كلهم بما أوتوا من الخصائص ككثرة الأنبياء وجعلهم ملوكاً وإيتائهم ما لم يؤت أحداً.﴿ وَٱتَّقُواْ يَوْماً ﴾ أي العذاب يوماً أو جعل اليوم متقي توسعاً أو على حذف مضاف أي عذاب يوم.﴿ لاَّ تَجْزِي ﴾ أي لا تقضي. وقرىء لا تجزي أي لا تغني. وقيل: جزا وأجزأ بمعنى واحد. ولا تجزي جملة صفة فلا بد من تقدير حذف واصلة فيه فهل الحذف بتدريج أو حذف برمته ابتداء قولان. و ﴿ نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ ﴾ نكرتان في سياق النفي فيعمان. و ﴿ شَيْئاً ﴾ في سياقه فيعم وقيل عن نفس كافرة وشيئاً مفعول. وقيل: مصدر أي شيئاً من الجزاء أو الأجزاء، نحو: ضربت شيئاً من الضرب. وقرىء ﴿ وَلاَ تُقْبَلُ ﴾ بالتاء وبالياء مبنياً للمفعول. وتقبل بفتح التاء ونصب شفاعة وهو التفات من ضمير المتكلم إلى ضمير الخطاب والضمير في.﴿ مِنْهَا ﴾ عائد على النفس المتأخرة لقربها ويجوز على المتقدمة لأنها المحدث عنها وظاهر هذا التركيب أنه قد توجد الشفاعة وينتفي قبولها، ويجوز أن يكون من باب. على لا حب لا يهتدي بمنارة. واجمع أهل السنة على أن شفاعة الأنبياء والصالحين تقبل في العصاة من المؤمنين لثبوت الأحاديث الصحيحة في ذلك وخصوا ما ورد من عدم القبول بالكفار.﴿ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ﴾ أي فداء من مال أو جزية.﴿ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ والنصر هو العون وأتى الضمير مجموعاً وان تقدم مفرداً لأنه في سياق النفي فيعم كقوله:﴿ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾[الحاقة: ٤٧].
وحسن ذلك الفاصلة وذكر الضمير لأنه أريد بالنفوس الأشخاص. كقولهم. ثلاثة أنفس. وانسحب حرف النفي على جملة اسمية ليتكرر الضمير فيتأكد نفي النصر بذكر من نفى عنه مرتين وارتفع هم على الابتداء. أو على المفعول الذي لم يسم فاعله وهو أرجح لأن لا من الأدوات المرجحة للحمل على الفعل ولأن ما قبل هذه الحملة جملة فعلية فيحصل التشاكل والضمير في هم عائد على النفس الأولى أو الثانية أو كلتيهما أقوال وكان النفي بلا التي تكون للمستقبل غالباً لاستقبال الأربعة التي دخلت عليها لا، وجاءت الجمل مرتبة في الذكر على حسب الواقع في الدنيا لأن المأخوذ بحق إما أن يؤدي عنه، وإلا شفع فيه وإلا فدى وإلا تعوون على تخليصه. وهنا جاءت الشفاعة مقدمة على الفدية، وفي غير هذا جاءت الفدية مقدمة على الشفاعة لاختلاف الناس، فمن أحب الرياسة قدم الشفاعة على الفدية ومن أحب المال قدم الفدية على الشفاعة. وبدىء هنا بالشفاعة لأنها أليق بعلو النفس وجاء هنا بلفظ القبول وهناك بلفظ إشارة إلى انتفاء أصل الشيء وانتفاء ما ترتب عليه أعطى المتقدم وجوداً تقدمه ذكراً هنا وهنالك أعطى المتأخر وجوداً تأخره ذكراً.


الصفحة التالية
Icon