﴿ وَإِذاً لأَتَيْنَٰهُم ﴾ الآية، قال الزمخشري: وإذا جواب لسؤال مقدر كأنه قيل: وماذا يكون لهم أيضا بعد التثبت، فقيل: وإذا لو ثبتوا لأتيناهم لأن إذا جواب وجزاء. " انتهى ". ظاهر قوله لأن إذاً جواب وجزاء يفهم منه أنها تكون لمعنيين في حال واحدة على كل حال، وهذه مسألة خلاف ذهب الفارسي الى أنها قد تكون جواباً فقط في موضع، وجواباً وجزاء في موضع، ففي مثل إذا أظنك صادقاً لمن قال: أزورك، هي جواب خاصة. وفي مثل: إذا أكرمك. لمن قال: أزورك، هي جواب وجزاء. وذهب الأستاذ أبو علي إلى أنها تتقدر بالجواب والجزاء في كل موضع وقوفاً مع ظاهر كلام سيبويه والصحيح قول الفارسي وهي مسألة يبحث عنها في علم النحو.﴿ مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ ﴾ أجاز الراغب أن يتعلق من النبيين بقوله: ومن يطع الله والرسول، أي من النبيين ومن بعدهم ويكون قوله: فأولئك، إشارة إلى الملأ الأعلى. ثم قال: ﴿ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً ﴾ ويبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين الموت:" اللهم ألحقني بالرفيق الأعلى "وهذا ظاهر. " انتهى ". وهذا الوجه الذي هو عنده ظاهر فاسد من جهة المعنى ومن جهة النحو، أما من جهة المعنى فإِن الرسول هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم أخبر الله سبحانه وتعالى أن من يطيعه ويطيع رسوله فهو مع من ذكر ولو كان من النبيين معلقاً بقوله: ومن يطع الله والرسول، لكان قوله: من النبيين، تفسير المن في قوله: ومن يطع، فيلزم أن يكون في زمان الرسول أو من بعده أنبياء يطيعونه وهذا غير ممكن لأنه قد أخبر الله تعالى أن محمداً هو خاتم النبيين. وقال صلى الله عليه وسلم:" لا نبي بعدي "وأما من جهة النحو فما قبل فاء الجزاء لا يعمل فيما بعدها لو قلت: ان تقم هند فعمرو ذاهب ضاحكة لم يجز. قال أبو عبد الله الفخر الرازي: هذه الآية تنبه على أمرين من أحوال المعاد، الأول: إشراق الأرواح بأنوار المعرفة، والثاني: كونهم مع النبيين. وليس المراد بهذه المعية في الدرجة فإِن ذلك ممتنع بل معناه أن الأرواح الناقصة إذا استكملت علائقها مع الأرواح الكاملة في الدنيا بقيت بعد المفارقة تلك العلائق فينعكس الشعاع من بعضها على بعض فتصير أنوارها في غاية القوة فهذا ما خطر لي. " انتهى كلامه ". وهو شبيه بمقال الفلاسفة في الأرواح إذا فارقت الأجساد، وأهل الإِسلام يأبون هذه الألفاظ ومدلولاتها، ولكن من غلب عليه حب شيء جرى في كلامه والرفيق الصاحب سمي بذلك للارتفاق به، وعلى هذا يجوز أن ينتصب رفيقاً على الحال من أولئك أو على التمييز وإذا انتصب على التمييز فيحتمل أن لا يكون مفعولاً فيجوز دخول من عليه ويكون هو المميز وجاء مفرداً إما لأن الرفيق مثل الخليط والصديق يكون للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد، وإما لإِطلاق المفرد في باب التمييز اكتفاء ويراد به الجمع ويحسن ذلك هنا كونه فاصلة ويحتمل أن يكون منقولاً من الفاعل فلا يكون هو المميز، والتقدير وحسن رفيق أولئك فلا تدخل عليه من ويجوز أن يكون أولئك إشارة إلى من يطع الله والرسول وجمع على معنى من. ويجوز في انتصاب رفيقاً الأوجه السابقة. وقرأ الجمهور وحسن بضم السين وهي الأصل ولغة الحجاز، وقرأ أبو السمال وحسن بسكون السين وهي لغة تميم. ويجوز وحسن بضم الحاء وبسكون السين وضم الحاء على تقدير نقل حركة السين إليها وهي لغة بعض بني قيس. قال الزمخشري: وحسن أولئك رفيقاً فيه معنى التعجب، كأنه قيل: وما أحسن أولئك رفيقاً ولاستقلاله بمعنى التعجب. قرىء وحسن بسكون السين، يقول المتعجب: وحسن الوجه وجهك بالفتح والضم مع التسكين. " انتهى كلامه ". وهو تخليط وتركيب مذهب على مذهب فنقول اختلفوا في فعل المراد به المدح والذم فذهب الفارسي وأكثر النحويين إلى جواز إلحاقه ببات نِعْمَ وبئس فقط فلا يكون فاعله إلا ما يكون فاعلاً لهما وذهب الأخفش والمبرد إلى جواز إلحاقه بباب نعم وبئس فجعل فاعله كفاعلهما وذلك إذا لم يدخله معنى التعجب وإلى جواز إلحاقه بفعل التعجب فلا يجري مجرى نعم وبئس في الفاعل ولا في بقية أحكامهما بل يكون فاعله ما يكون مفعول فعل التعجب، فتقول: لضُربَتْ يدك ولضُربتْ اليد والكلام على هذين المذهبين تصحيحاً وإبطالاً مذكور في علم النحو الزمخشري لم يتبع واحداً من هذين المذهبين بل خلط وركب فأخذ التعجب من مذهب الأخفش وأخذ التمثيل بقوله: وحسن الوجه وجهك، وحسن الوجه وجهك من مذهب الفارسي. وأما قوله: ولاستقلاله بمعنى التعجب قرىء وحُسْنَ بسكون السين وذكر أن المتعجب يقول وَحَسْنَ وَحُسْنَ فهذا ليس بشيء لأن الفراء.. ذكر أن تلك لغات للعرب فلا يكون التسكين ولا هو والنقل لأجل التعجب.﴿ ذٰلِكَ ٱلْفَضْلُ مِنَ ٱللَّهِ ﴾ الظاهر أن الإِشارة إلى كينونة المطيع من النبيين ومن عطف عليهم لأنه هو المحكوم به في قوله: فأولئك مع الذين وكأنه على تقدير سؤال أي وما الموجب لهم استواءهم مع النبيين في الآخرة مع أن الفرق بينهم في الدنيا بين فذكر أنه أعطى ذلك بفضله لا بوجوب عليه ومع استوائهم معهم في الجنة فهم متفاوتون في المنازل.


الصفحة التالية
Icon