﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ﴾ القوم اسم جمع لا واحد له من لفظه ويختص بالرجال. والبارىء الخالق وقيل: المبدع للشيء والخالق المقدر الناقل من حال إلى حال ونداؤه لهم مضافين إليه مشعره بالثخن عليهم وهزلهم لما يلقيه إليهم من أمر التوبة ونبههم على أن عبادة غير الله من الظالم وظلم الانسان نفسه أفحش من ظلم غيرها. والباء سببية في ﴿ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ ﴾ أي وعبادته أو إلهاً. وقرىء بارئكم بكسر الهمزة وباختلاس حركتها وبإِسكانها إجراء للمنفصل مجرى المتصل كابل في إبل ولا التفات لقول المبرد أن التسكين لحن. وقرىء بالياء مكسورة فاما إبدال الهمزة ياء على غير قياس وإما أن يكون من براغير مهموز وحرك الياء، نحو قول الشاعر: ويوماً يوافينا الهوى غير ماضي.﴿ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ أمر بإِزهاق الروح بالقتل لمن اتخذ العجل ولا يكون إلا بوحي من الله تعالى، والظاهر أنهم أمروا بقتل انفسهم فيباشر الواحد قتل نفسه وإن كانت التوبة هي القتل فيكون فاقتلوا بدلاً من فتوبوا وإن كان القتل من تمام التوبة فالفاء للتعقيب والمعنى فأتبعوا التوبة القتل تتمة لتوبتكم.﴿ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ إشارة إلى القتل وجهة الخيرية إنه مفض إلى الخلاص من دخول النار، وخير أحد الخيور أو أفعل التفضيل أي الهلاك العاجل خير من الهلاك الدائم على حد العسل أحلى من الخل. ولكم في موضع الصفة إن كان خيراً من الخيور ومتعلق بخير إن كان أفعل التفضيل وتكرر لفظ.﴿ بَارِئِكُمْ ﴾ لكونه في جملتين.﴿ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ إخبار بالتوبة عليهم وثم محذوف، أي فامتثلتم ذلك فتاب عليكم، وهاتان الجملتان مندرجتان تحت الاضافة إلى الظرف الذي هو إذ في قوله: ﴿ وَإِذْ قَالَ ﴾.
(وأجاز) الزمخشري أن يكون مندرجاً تحت قول موسى على تقدير شرط محذوف كأنه قال: فإِن فعلتم فقد تاب عليكم، فتكون الفاء إذ ذاك رابطة لجملة الجزاء بجملة الشرط المحذوف وما ذهب إليه الزمخشري لا يجوز وذلك لأن الجواب يجوز حذفه كثيراً للدلالة عليه و فعل الشرط وحده دون الأداة فيجوز حذفه إذا كان منفياً بلا في الكلام النصيح، نحو: وان لا يَعْلُ مفرقك الحسام. فإِن كان غير منفي بلا فلا يجوز إلا في ضرورة، وكذلك حذفه وإبقاء إنْ امّا حذفهما معاً وإبقاء الجواب فلا يجوز إذ لم يثبت في كلامهم وجزم الفعل بعد الأمر والنهي ليس من هذا الباب.


الصفحة التالية
Icon