﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ ﴾ سبب نزولها ما ثبت في صحيح أبي عبد الله الحاكم بسنده إلى أبي رافع قال:" أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب. فقال الناس: يا رسول الله ما أحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها "فنزلت ﴿ يَسْأَلُونَكَ ﴾.
الآية، ويحتمل أن يكون ماذا كلها استفهاماً والجملة خبر ويحتمل أن تكون ما استفهاماً وذا خبرا أي ما الذي أحل لهم والجملة من قوله: ما إذا أحل لهم في موضع نصب بيسألونك على إسقاط حرف الجر والسؤال هنا معلق وليس فعلاً قلبياً لكن لما كان طريقاً إلى العلم أجرى مجرى العلم فعلق لما كان يسألونك الفاعل فيه ضمير غائب قال لهم بضمير الغائب. ويجوز في الكلام ما ذا أحل لنا، كما تقول: أقسم زيد ليضربنه ولأضربن، وضمير المتكلم يقتضي حكاية ما قالوا كما أن لأضربن يقتضي حكاية الجملة المقسم عليها. قال الزمخشري في السؤال: معنى القول فلذلك وقع بعده ماذا أحل لهم كأنه قيل: يقولون ما إذا أحل لهم. " انتهى ". لا يحتاج إلى ما ذكر لأنه من باب التعليق، لقوله:﴿ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ ﴾[القلم: ٤٠]، فالجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني ليسألونك. ونصوا على أن فعل السؤال يعلق وان لم يكن من أفعال القلوب لأنه سبب للعلم فكما يعلق العلم فكذلك سببه.﴿ ٱلطَّيِّبَاتُ ﴾ هنا المستلذات. ﴿ وَمَا عَلَّمْتُمْ ﴾ معطوف على الطيبات وهو على حذف مضاف تقديره وأكل ما علمتم من مصيد الجوارح والجوارح الكواسر من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والنمر والعقاب والصقر والبازي والشاهين. وسميت بذلك لأنها تجرح ما تصيد غالباً ولأنها تكسب. يقال: امرأة لا جارح لها، أي لا كاسب. ومنه ويعلم ما جرحتم بالنهار أي ما كسبتم. ويقال: جرح واجترح بمعنى كسب.﴿ مُكَلِّبِينَ ﴾ المكلب بالتشديد معلم الكلاب ومنصريها على الصيد، وبالتخفيف صاحب الكلاب، اشتقاق هذه الحال من الكلب وإن كانت عامة في الجوارح على سبيل التغليب لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلب فاشتقت من لفظه لكثرة ذلك في جنسه. وقيل: لأن الغالب من صيدهم أن يكون بالكلاب أو اشتقت من الكلب وهو الضراوة. ويقال: هو كلب بكذا إذا كان ضارياً به. قال الزمخشري: أو لأن السبع يسمى كلباً، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام:" اللهم سلط عليه كلباً من كلابك فأكله الأسد "" انتهى ". لا يصح هذا الاشتقاق لأن كون الأسد كلباً هو وصف فيه، والتكليب من صفة المعلم، والجوارح هي سباع بنفسها، وكلاب بنفسها لا بجعل المعلم.﴿ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ ﴾ أي أن تعليمكم إياهن ليس من قبل أنفسكم إنما هو من العلم الذي علمكم الله وهو ان جعل لكم رويّة وفكرة بحيث قبلتم العلم فكذلك الجوارح يصير لهم إدراك مّا وشعور بحيث يقبلن الائتمار والانزجار. وفي قوله: مما علمكم الله، اشعار ودلالة على فضل العلم وشرفه إذ ذكر ذلك في معرض الامتنان ومفعول علم وتعلمونهن. الثاني: محذوف تقديره وما علمتموه طلب الصيد لكم لا لأنفسهن تعلمونهن ذلك. وفي ذلك دلالة على أن صيد ما لم يعلم حرام وأكله، لأن الله تعالى إنما أباح ذلك بشرط التعليم. والدليل على ذلك الخطاب في عليكم في قوله فكلوا مما أمسكن عليكم، وغير المعلم إنما يمسك لنفسه، ومعنى مما علمكم الله من الأدب الذي أدبكم به سبحانه وتعالى وهو اتباع أوامره واجتناب نواهيه فإِذا أمر فائتمر وزجر. فانزجر فقد تعلم مما علمنا الله. وظاهر مما أمسكن عليكم أنه إذا أمسك على مرسله جاز الأكل سواء أكل أو لم يأكل. ﴿ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ ﴾ أي على ما علمتم من الجوارح أي سموا عليه عند إرساله لقوله: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل)، والتسمية عند الإِرسال أهي على الوجوب أو على الندب.﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾ الآية، لما تقدم ذكر ما حرم وأحل من المطاعم، أمر بالتقوى فإِن التقوى بها يمسك الانسان عن الحرام وعلل الأمر بالتقوى بأنه تعالى سريع الحساب لمن خالف ما أمر به من تقواه فهو وعيد بيوم القيامة وإن حسابه إياكم سريع إتيانه إذ يوم القيامة قريب.


الصفحة التالية
Icon