﴿ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ الخطاب للمؤمنين والنعمة هنا الإِسلام وما صاروا إليه من اجتماع الكلمة والعزة والميثاق هو ما أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة وبيعة الرضوان وكل مواطن، قاله ابن عباس. ﴿ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ ﴾ الآية، تقدم تفسير مثل الجملة الأولى في النساء إلا أن هناك بدىء بالقسط، وهنا آخر. وهذا من التوسع في الكلام والتفنن في الفصاحة ويلزم من كان قائماً لله أن يكون شاهداً بالقسط ومن كان قائماً بالقسط أن يكون قائماً لله إلا أن التي في النساء جاءت في معرض الاعتراف على نفسه وعلى الوالدين والأقربين فبدأ فيها بالقسط الذي هو العدل والسؤال من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة، وهنا جاءت في معرض ترك العداوات والاجن فبدىء فيها بالقيام لله إذ كان الأمر بالقيام لله أولاً أردع للمؤمنين ثم أردف بالشهادة بالعدل فالتي في معرض المحبة والمحاباة بدىء فيها بما هو آكد وهو القسط والتي في معرض العداوة والشنآن بدىء فيها بالقيام لله فناسب كل معرض ما جيء به إليه وأيضاً فتقدم هناك حديث النشور والإِعراض. وقوله:﴿ وَلَن تَسْتَطِيعُوۤاْ أَن تَعْدِلُواْ ﴾[النساء: ١٢٩]، وقوله:﴿ فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا ﴾[النساء: ١٢٨]، فناسب ذكر تقدم القسط وهنا تأخر ذكر العداوة فناسب أن يجاورها ذكر القسط وتعدية يجر منكم بعلي هنا يدل على أن معناه يحملنكم لأن يكسبنكم لا يتعدى بعلي إلا أن ضمّن معنى ما يتعدى بها وهو خلاف الأصل.﴿ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ﴾ هو ضمير يعود على المصدر المفهوم من قوله: ﴿ ٱعْدِلُواْ ﴾، كقولهم: من كذب كان شراً له ففي كان ضمير يفهم من قولهم كذب وكذلك هو أي العدل أقرب للتقوى نهاهم أولاً أن تحملهم الضغائن على ترك العدل ثم أمرهم ثانياً به تأكيداً، ثم استأنف نذكر لهم وجه الأمر بالعدل وهو قوله: هو أقرب للتقوى أي أدخل في مناسبتها أو أقرب لكونه لطفاً فيها وفي الآية تنبيه على مراعاة حق المؤمنين بالعدل إذا كان تعالى قد أمر بالعدل مع الكافرين.﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ لما كان الشنآن محلة القلب وهو الحامل على ترك العدل أمر بالتقوى وأتى بصفة خبير ومعناها عليم ولكنها مما تختص بما لطف إدراكه فناسب هذه الصفة أن ينبّه بها على الصفة القلبية لما نادى المؤمنين وأمرهم بالقيام لله والشهادة بالسقط ذكر موعودهم بقوله: ﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ ووعد تعدى لاثنين والثاني محذوف تقديره الجنة وقد صرح بها في غير هذا الموضع والجملة من قوله: لهم مغفرة مفسرة لذلك المحذوف تفسير السبب للمسبب لأن الجنة مترتبة على الغفران وحصول الأجر وإذا كانت الجملة مفسرة فلا موضع لها من الإِعراب والكلام قبلها تام.﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ ﴾ الآية، لما ذكر ما لمن آمن ذكر ما لمن كفر وفي المؤمنين، جاءت الجملة فعلية متضمنة الوعد بالماضي الذي هو دليل على الوقوع فأنفسهم متشوقة لما وعدوا به متشوقة إليه مبتهجة طول الحياة بهذا الوعد الصادق وفي الكافرين جاءت الجملة إسمية دالة على ثبوت هذا الحكم له وانهم أصحاب النار فهم دائمون في عذاب إذ حتم لهم أنهم أصحاب الجحيم ولم يأت بصورة الوعيد فكان يكون الرجاء لهم في ذلك.﴿ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ﴾ الآية، عن ابن عباس انها نزلت من أجل كفار قريش، وقد تقدم ذكرهم قوله: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ ﴾.