﴿ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ ﴾ الآية، وهو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وعليهم أي على بقية بني إسرائيل الذين عاصروه عليه السلام وهموا ببسط أيديهم وقالوا إنهم أبناء الله وأحباؤه، وذكرهم موسى عليه السلام بنعم الله تعالى. ومناسبة هذه الآية، لما قبلها أنه كان من آخر كلامهم لموسى عليه السلام اذهب أنت وربك فقاتلا وذلك لجبنهم وخور طباعهم عن قتال الجبارين. وفي قصة ابني آدم جسارة قابيل على قتل النفس التي حرم الله قتلها فتشابها من هذا الوجه فكان قابيل أول عاص في هذه المعصية العظيمة وبنو إسرائيل أول من خاطب رسولهم بقولهم: إذهب أنت وربك فقاتلا، والنبأ الخبر وابنا آدم هما قابيل وهابيل ابناه لصلبه.﴿ إِذْ قَرَّبَا ﴾ إذ منصوب بقوله نبأ. قال الزمخشري: ويجوز أن يكون بدلاً من النبأ، أي إتل عليهم النبأ نبأ ذلك الوقت على تقدير حذف المضاف. " انتهى ". لا يجوز ما ذكر لأن إذ لا يضاف إليها إلا الزمان ونبأ ليس بزمان والقربان الذي قرباه هو زرع لقابيل وكبش لهابيل، وكانت علامة التقبّل أكل النار النازلة من السماء القربان وترك غير المتقبل. قال الزمخشري: يقال قرب صدقة وتقرب بها لأن تقرب مطاوع قرب. " انتهى ". ليس تقرب بصدقة مطاوع قرب لإِتحاد فاعل الفعلين والمطاوع يختلف فيها الفاعل فيكون من أحدهما فعل ومن الآخر انفعال نحو كسرته فانكسر وفلقته فانفلق، وليس قربت صدقة وتقربت بها من هذا الباب فهو غلط. فاحش.﴿ فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا ﴾ هو هابيل. ﴿ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ ﴾ هو قابيل. ﴿ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ ﴾ هذا تهديد شديد ووعيد بالقتل لأخيه. وأكده بالقسم المحذوف وتقديره والله لأقتلنك، ولما هدده بالقتل علم أنه لم يكن متقياً لله تعالى لتهديده بهذه المعصية العظيمة وكان ذلك حسداً له، فقال: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾ ومن لم يرض بفعل الله تعالى لم يكن متقياً له، ثم قال: ﴿ لَئِن بَسَطتَ ﴾ الآية، فبين التفاوت بينهما بأنك إن أردت قتلي فما أريد قتلك، واللام في لئن هي الموطئة المؤذنة بقسم محذوف وإن شرطية، وجواب القسم قوله: ﴿ مَآ أَنَاْ بِبَاسِطٍ ﴾ وجواب أن محذوف لدلالة جواب القسم عليه وذكر أن الحامل له على أنه لا يريد قتله خوفه من الله تعالى. قال الزمخشري: فإِن قلت: لم جاء الشرط بلفظ الفعل والجزاء بلفظ اسم الفاعل وهو قوله: لئن بسطت ما أنا بباسط؟ قلت: ليفيد أنه لا يفعل ما يكتسب به هذا الوصف الشنيع ولذلك أكده بالباء المؤكدة للنفي. " انتهى ". وأورد أبو عبد الله الرازي هذا السؤال والجواب ولم ينسبه للزمخشري وهو كلام فيه انتقاد وذلك أن قوله: ما أنا بباسط ليس جزاء للشرط بل هو جواب للقسم المحذوف ولو كان جواباً للشرط لكان بالفاء فإِنه إذا كان جواب الشرط منفياً بما فلا بد من إلقاء إلا أن كانت الأداة ليست من الجوازم في الكلام فلا يحتاج إذ ذاك إلى الفاء كقوله تعالى:﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾[يونس: ١٥].
ما كان حجتهم إلا أن قالوا: والقاعدة النحوية أنه إذا اجتمع قسم وشرط كان الجواب للسابق منهما إذا لم يتقدمهما ذو خبر.﴿ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ ﴾ الآية، المعنى أن قتلتني وسبق بذلك قدر فاختياري أن أكون مظلوماً ينتصر الله لي في الآخرة. ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ ﴾ وهو فعل من التطوع وهو الانقياد كأن القتل كان ممتنعاً عليه متعاصياً وأصله طاع له قتل أخيه أي انقاد إليه وسهل ثم عدى بالتضعيف فصار الفاعل مفعولاً والمعنى أن القتل في نفسه مستصعب عظيم على النفوس فردته هذه النفس اللجوج الأمارة بالسوء طائعاً منقاداً حتى أوقعه صاحب هذه النفس. وقرىء فطاوعت يكون فاعل فيه للاشتراك نحو ضاربت زيداً. قال الزمخشري: فيه وجهان، أن يكون مما جاء على فاعل بمعنى فعّل، وأن يراد أن قتل أخيه كأنه دعا نفسه إلى الاقدام عليه فطاوعته ولم تمتنع وله لزيادة الربط كقولك حفظت لزيد ماله. " انتهى ". أما الوجه الثاني: فهو موافق لما ذكرناه، وأما الوجه الأول فقد ذكر سيبويه ضاعفت وضعفت مثل ناعمت ونعمت وقال: فجاؤا به على مثال عاقبته. قال: وقد يجيء فاعلت لا يراد بها عمل اثنين ولكنهم بنوا عليه الفعل كما بنوه على أفعلت وذكر أمثلة منها عافاه الله وهذا المعنى وهو أن فاعل بمعنى فعّل أغفله بعض المصنفين. من أصحابنا في التصريف كابن عصفور وابن مالك وناهيك بهما جمعاً وإطلاعاً فلم يذكر أن فاعل يجيء بمعنى فعّل ولا فعل بمعنى فاعل وقوله: وله لزيادة الربط يعني في قوله: فطوعت له، يعني أنه لو جاء فطوعت نفسه قتل أخيه لكان كلاماً تاماً جارياً على كلام العرب وإنما جيء به على سبيل زيادة الربط للكلام إذ الربط يحصل بدونه كما أنك لو قلت: حفظت مال زيد، كان كلاماً تاماً، فأصبح بمعنى صار.