﴿ وَلَوْ تَرَىٰ ﴾ الآية جواب لو محذوف لدلالة المعنى عليه وتقديره لرأيت أمراً شنيعاً وهولاً عظيماً. وترى في معنى رأيت، ومفعوله محذوف تقديره ولو تراهم، وإذ ظرف لما مضى.﴿ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ ﴾ الآية قرىء بنصب نكذب ونكون، وهذا النصب هو عند جمهور البصريين هو بإِضمار أن بعد الواو فهو ينسبك من أن المضمرة، والفعل بعدها مصدر مرفوع معطوف على مصدر متوهم مقدر من الجملة السابقة والتقدير يا ليتنا يكون لنا رد. وانتفاء تكذيب وكون من المؤمنين وكثيراً ما يوجد في كتب النحو أن هذه الواو المنصوب بعدها هو على جواب التمني كما قال الزمخشري. وقرىء: ولا نكذب ونكون بالنصب بإِضمار أن على جواب التمني، ومعناه إن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين. " انتهى ". وليس كما ذكر فإِن نصب الفعل بعد الواو ليس على جهة الجواب لأن الواو لا تقع في جواب الشرط ولا ينعقد مما قبلها ولا مما بعدها شرط وجواب وإنما هي واو الجمع تعطف ما بعدها على المصدر المتوهم قبلها وهي واو العطف يتعين مع النصب أحد محاملها الثلاثة وهي المعية ويميزها من الفاء تقدير مع موضعها كما أن فاء الجواب إذا كان بعدها فعل منصوب ميّزها تقدير شرط قبلها أو حال مكانها وشبهة من قال انها جواب انها تنصب في المواضع التي تنصب فيها الفاء فتوهم أنها جواب، ويوضح لك أنها ليست بجواب انفراد الفاء دونها بأنها إذا حذفت انجزم الفعل بعدها بما قبلها لما فيه من معنى الشرط إلا إذا نصبت بعد النفي وسقطت الفاء فلا ينجزم، وإذا تقرر هذا فالأفعال الثلاثة من حيث المعنى متمناة على سبيل الجمع بينهما، إلا أن كل واحد متمني وحده إذ التقدير كما قلنا يا ليتنا يكون لنا رد مع انتفاء التكذيب وكوننا من المؤمنين. وقرىء ولا نكذب ونكون برفعهما عطفاً على نرد فيكونان داخلين في التمني أو رفعاً على الاستئناف والقطع أي ونحن لا نكذب ونكون وقرىء: برفع ولا نكذب عطفاً على نرد أو على الإِستئناف، ونكون بالنصب عطفاً على مصدر متوهم وتكون ان مضمرة بعد الواو أي وأن نكون فالتقدير يكون منّا رد وكون من المؤمنين.﴿ بَلْ بَدَا لَهُمْ ﴾ بل هنا للإِضراب والإِنتقال من شىء إلى شىء من غير إبطال لما سبق بل بدا لهم أي لليهود والنصارى سئلوا في الدنيا: هل تعاقبون على ما أنتم عليه؟ قالوا: لا. وقيل: كفار مكة ظهر لهم ما أخفوه من أمر البعث بقولهم:﴿ مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا ﴾[الجاثية: ٢٤].
أو المنافقون كانوا يخفون الكفر فظهر لهم وباله يوم القيامة.﴿ وَلَوْ رُدُّواْ ﴾ أي إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار وتمنيهم الرد.﴿ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ من الكفر.﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ تقدم الكلام عليها. وهل التكذيب راجع إلى ما تضمنته جملة التمني من الوعد بالإِيمان أو ذلك اخبار من الله تعالى على عادتهم دينهم وما هم عليه من الكذب في مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون ذلك منقطعاً مما قبله من الكلام.﴿ وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ ﴾ الآية لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة بالبعث قالوا ذلك وان نافية وهي ضمير الحياة، قالوا: ان الحياة إلا حياتنا الدنيا. فنفوا أن يكون ثم حياة أخرى في الآخرة، ولذلك قالوا:﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ﴾ يعني إلى الحشر والجزاء لما دل الكلام على نفي البعث بما تضمنه من الحصر صرحوا بالنفي المحض الدال على عدم البعث بالمنطوق وأكدوا ذلك بالباء الداخلة في الخبر على سبيل المبالغة في الإِنكار وهذا يدل على أن هذه الآية في مشركي العرب ومن وافقهم في إنكار البعث.﴿ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ ﴾ الآية، جواب لو محذوف كما حذف في ولو ترى أولاً، وذلك مجاز عن الحبس والتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاقبه.﴿ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ ﴾ الظاهر أن الفاعل يقال: هو الله، فيكون السؤال منه تعالى لهم سؤال تقريع وتوبيخ والإِشارة بهذا إلى البعث ومتعلقاته. وقال أبو الفرج ابن الجوزي: أليس هذا العذاب بالحق. وكأنه لاحظ قوله: قال فذوقوا العذاب.﴿ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا ﴾ بلى جواب لما تقرر وأكدوا جوابهم باليمين في قولهم وربنا هو إقرار بالإِيمان حيث لا ينفع وناسب التوكيد بقولهم: وربنا، صدر الآية في قوله: وقفوا على ربهم، والباء في قوله: بما للسبب وكفرهم كان بالبعث وغيره. و ﴿ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ ﴾ الآية، خسرانهم أنهم استعاضوا الكفر عن الإِيمان فصار ذلك شبيهاً بحالة البائع الذي أخذ وأعطى وكان ما أخذ سبباً لهلاكه وما أعطاه من الإِيمان سبباً لنجاته. ومعنى بلقاء الله: بلوغ الآخرة وما يكون فيها من الجزاء ورجوعهم إلى أحكام الله فيها. وحتى غاية لتكذيبهم لا لخسرانهم.﴿ بَغْتَةً ﴾ البغتة: الفجأة. يقال: بغته يبغته، أي فجأة وهو مجيء الشىء سرعة من غير جعل بالك إليه وغير علمك بوقت مجيئه فرط قصر مع القدرة على ترك التقصير. وقال أبو عبيدة: فرط: ضيع، والتكذيب فعيا بالحسرة لأنه لا يزال بهم التكذيب إلى قولهم: يا حسرتنا وقت مجيء الساعة. والضمير في فيها عائد على الحياة الدنيا إذ قد تقدم ذكرها. وما في قوله: ما فرطنا، مصدرية أي على تفريطنا. والجملة من وهم يحملون أوزارهم، جملة حالية. وذو الحال الضمير في قالوا. والأوزار: الخطايا والآثام، وأصله الثقل من الحمل، يقال: وزرته أي حملته، وأوزار الحرب: أثقالها من السلاح، وهو مجاز عبر تحمل الوزر عما يجده من المشقة والآلام بسبب ذنوبه، والمعنى أنهم يقاسون عقاب ذنوبهم مقاساة تثقل عليهم.﴿ أَلاَ سَآءَ ﴾ ساء على وزن فعل متعدية لمفعول محذوف تقديره ساءهم، وما مصدرية، أي ساءهم وزرهم، أو موصولة بمعنى الذي. وحذف الضمير العائد عليه والتقدير ساءهم الذي يزرونه أي يحملونه، ويجوز في ساء أن يكون وزنها فعل التي تكون في التعجب كقولهم: قَضُوا الرجل، أي ما أقضاه، فيكون تقديره ما أسوأ الذي يزرونه وافتتح بألا تنبيهاً وإشارة بسوء مرتكبهم.﴿ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ ﴾ الآية لما ذكر قولهم وقالوا: إن هي إلا حياتنا الدنيا، ذكر قصاراها وأن منتهى أمرها أنها فانية منقضية عن قريب فصارت شبيهة باللهو واللعب إذ هما لا يدومان ولا طائل لهما. وقرىء: ولدار الآخرة على الإِضافة، فقيل: هو من إضافة الموصوف إلى صفته إذ أصله لا الدار الآخرة، وقيل: على حذف موصوف تقديره ولدار الحياة الآخرة.