﴿ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ ﴾ الآية، لما نزلت استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في الثالثة: هذه أهون أو أيسر. والظاهر أن الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، والآية متضمنة للوعيد.﴿ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ ﴾ كما فعل بقوم لوط وكما فعل بأصحاب الفيل أرسل عليهما حجارة من سجيل.﴿ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ كما فعل بقارون وبداره. قال تعالى:﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ ﴾[القصص: ٨١].
ويذيق بعضكم كما جرى في حرب صفين بين علي رضي الله عنه ومعاوية، وكما جرى بين علي والخوارج، وكل هؤلاء مسلمون مؤمنون.﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ ﴾ أي يخلطكم.﴿ شِيَعاً ﴾ جمع شيعة. وانتصب على الحال أي يخلطكم متشايعين فرقاً مختلفة. والبأس: الشدة.﴿ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ ﴾ هذه استرجاع لهم ولفظة تعجب له عليه السلام. والمعنى أنا نسلك في مجيء الآيات أنواعاً رجاء أن يفقهوا ويفهموا عن الله لأن في اختلاف الآيات ما يقتضي الفهم إن عزبت آية كم تعزب أخرى.﴿ وَكَذَّبَ بِهِ ﴾ الضمير عائد على القرآن. ويدل عليه ذكر الآيات قبله.﴿ وَهُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ جملة استئناف أخبر بأن القرآن هو الحق، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في به وهو أشنع عليهم في التكذيب بشىء هو الحق.﴿ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ﴾ أي لست بقائم عليكم لأكرهكم على التوحيد.﴿ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ﴾ أي لكل شىء ينبأ به وقت استقرار وحصول لا بد منه.﴿ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴾ مبالغة في التهديد والوعيد.﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ ﴾ الآية، هذا خطاب له صلى الله عليه وسلم ويدخل فيه المؤمنون لأن علة النهي وهو سماع الخوض في آيات الله يشمله وإياهم. ورأيت هنا بصرية ولذلك تعدت إلى واحد ولا بد من تقدير حال محذوفة، أي وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا وهو خائضون فيها والخوض أصله في الماء شبه تنقلهم في آيات الله بالخوض في الماء وتنقلهم قولهم في الآيات: هذا سحر هذا افتراء هذه أساطير الأولين.﴿ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ ﴾ أمر له عليه السلام بالإِعراض عنهم وهو تركهم بالنية والجلوس معهم ببيّنة قوله تعالى:﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾[النساء: ١٤٠]، الآية،﴿ فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ ﴾[النساء: ١٤٠].
﴿ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ ﴾ أي يشغلك عن النهي عن مجالستهم.﴿ فَلاَ تَقْعُدْ ﴾ معهم.﴿ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾ أي ذكرك النهي. وما أحسن مجيء الشرط الأول بإِذا التي هي للتحقق لأن كونهم يخوضون في الآيات محقق، ومجيء الشرط الثاني بأن لأن أن لغير المحقق، وجاء مع القوم الظالمين تنبيهاً على علة الخوض في الآيات والطعن فيها، وأن سبب ذلك ظلمهم وهو مجاوزة الحد. وما زائدة بعد أن الشرطية والفعل قد لحقته النون الشديدة وكثر ذلك في القرآن. قال تعالى:﴿ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ ﴾[الزخرف: ٤١]﴿ وَإِماَّ يَنزَغَنَّكَ ﴾[الأعراف: ٢٠٠، فصلت: ٣٦]، ويجوز حذف ما في غير القرآن، وحذف نون التوكيد، وحذف إيهما شئت فتقول: ان ما تقم أقم، وان تقومن أقم، نص على ذلك سيبويه. قال الزمخشري: ويجوز أن يراد وإن كان الشيطان ينسيك قبل النهي قبح مجالسة المستهزئين لأنها مما تنكره العقول. فلا تقعد بعد الذكرى أي بعد أن ذكرناك قبحها ونبهناك عليه معهم. " انتهى ". وهذا خلاف ظاهر الشرط لأنه قد نهى عن القعود معهم قبل. ثم عطف على الشرط السابق هذا الشرط وكله مستقبل.﴿ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ هم المؤمنون. والضمير في حسابهم عائد على المستهزئين الخائضين في الآيات روي أن المؤمنين قالوا لما نزلت: فلا تقعدوا معهم. قالوا: لا يمكننا طواف ولا عبادة في الحرم. فنزلت:﴿ مِّن شَيْءٍ ﴾ من: زائدة. وشىء: مبتدأ خبره على الذين. وذكرى يحتمل أن تكون في موضع نصب أي ولكن يذكرونهم ذكرى أو ذكروهم أو في موضع رفع أي ولكن عليهم ذكرى.﴿ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ الوعيد بتذكيركم إياهم. قال الزمخشري: ولا يجوز أن يكون عطفاً على محل من شىء كقولك: ما في الدار من أحد ولكن زيد، لأن قوله: من حسابهم، يأبى ذلك. " انتهى ". كأنه تخيل أن في العطف يلزم القيد الذي في المعطوف عليه وهو من حسابهم لأنه قيد في شىء فلا يجوز عنده أن يكون من عطف المفردات عطفاً على من شىء على الموضع لأنه يصير التقدير عنده، ولكن ذكرى من حسابهم. وليس المعنى على هذا وهذا الذي تخيله ليس بشىء. لأنه لا يلزم في العطف بولكن ما ذكر تقول: ما عندنا رجل سوء ولكن رجل صدق، وما عندنا رجل من تميم ولكن رجل من قريش، وما قام من رجل عالم ولكن رجل جاهل. فعلى هذا الذي قررناه يجوز أن يكون من قبيل عطف الجمل كما تقدم، ويجوز أن يكون من عطف المفردات والعطف إنما هو للواو ودخلت لكن للإِستدراك.


الصفحة التالية
Icon