﴿ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ ﴾ الآية أي لو آتيناهم بالآيات التي اقترحوها من إنزال الملائكة في قولهم:﴿ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ﴾[الأنعام: ٨٠]، وتكليم الموتى إياهم في قولهم: فأتوا بآبائنا، وفي قولهم: أخي قصيّ بن كلاب وجدعان بن عمرو، وهما أمينا العرب والوسطان فيهم وحشر كل شىء عليهم من السباع والدواب والطيور، وشهادتهم بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجواب لو ما كانوا ليؤمنوا. وقدره الحوفي لما كانوا قال: وحذفت اللام وهي مرادة. " انتهى ". وليس قوله بجيد لأن المنفي بما إذا وقع جواباً لِلْوَ فالأكثر في لسان العرب أن لا تدخل اللام على ما وقل دخولها على ما، فلا نقول ان اللام حذفت منه بل إنما أدخلوها على ما تشبيهاً للمنفي بما بالموجب، ألا ترى أنه إذا كان النفي بلم لم تدخل اللام على لم فدل على أن أصل المنفي أن لا تدخل عليه اللام. واللام في ليؤمنوا لام الجحود أتت بعد كون ماض منفي، وخبر كان محذوف تقديره ما كانوا أهلاً للإِيمان، لأنّ أنْ مقدرة بعد اللام فيسبك منها مع ما بعدها مصدر والكثير حذف خبر كان في هذا التركيب. وقد جاء مصرحاً به في قول الشاعر: سموت ولم تكن أهلاً لتسمو   و ﴿ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ﴾ الله استثناء متصل من محذوف هو علة. وسبب التقدير ما كانوا ليؤمنوا بشىء من الأشياء إلا بمشيئة الله تعالى. والظاهر أن الضمير في أكثرهم عائد على ما عادت عليه الضمائر قيل من الكفار وإنما قال أكثرهم لأن هؤلاء الكفار من شاء الله إيمانه فآمن وصدق. ومعنى: ﴿ يَجْهَلُونَ ﴾ أي الحق الذي جئت به من عند الله تعالى.﴿ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ ﴾ الآية، المعنى مثل جعل هؤلاء الكفار المقترحين الآيات وغيرهم أعداء لك جعلنا لمن قبلك من الأنبياء أعداء.﴿ شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ ﴾ أي متمردي الصنفين.﴿ يُوحِي ﴾ يلقي في خفية.﴿ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ﴾ أي بعض الصنف الجني إلى بعض الصنف الأنسي. أو يوحي شياطين الجن إلى شياطين الإِنس.﴿ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ ﴾ أي محسّنه ومزينه بالأباطيل ليغروهم ويخدعوهم ويوهموهم أنهم على شىء، وثمرة هذا الجعل الامتحان، فيظهر الصبر على ما منّوا به ممن يعاديهم فيعظم الثواب والأجر. وفيها تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتأس بمن تقدمه من الأنبياء وإنك لست منفرداً بعداوة من عاصرك، بل هذه سنة من قبلك من الأنبياء. وانتصب غروراً على أنه مفعول من أجله أي للغرور أو مصدراً في موضع الحال أي غارّين والناصب لهما يوحي.﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ ﴾ الضمير المنصوب جوزوا أن يكون عائداً على العداوة المفهومة من عدوا، والإِيحاء المفهوم من يوحي، أو على الزخرف، أو على القول، أو على الغرور أوجهاً خمسة.﴿ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ﴾ أي اتركهم وما يفترون من تكذيبك. ويتضمن الوعد والوعيد. وقال قتادة: كل ذر في كتاب الله تعالى فهو منسوخ بالقتال وما بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره يفترونه أو مصدرية تقديره وافتراؤهم.﴿ وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ أي ولتميل إليه. الضمير يعود على ما عاد عليه في فعلوه.﴿ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ ﴾ ما هم مكتسبون من الآثام. واللام: لام كي، وهي معطوفة على قوله: غروراً، لما كان معناه للغرور فيه متعلقة بيوحى ونصب غروراً لاجتماع شروط النصب فيه وعدي يوحى إلى هذا باللام لفوت شرط صريح المصدرية واختلاف الفاعل لأن فاعل يوحي هو بعضهم، وفاعل تصغي هو أفئدة وترتيب هذه المفاعيل في غاية الفصاحة لأنه أولاً يكون الخداع، فيكون الميل، فيكون الرضا، فيكون فعل الاقتراف، فكان كل واحد مسبب عما قبله.


الصفحة التالية
Icon