﴿ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ ﴾ قال مقاتل: نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أبي جهل. والهداية هنا مقابلة الضلال، والشرح كناية عن جعله قابلاً للإِسلام متوسعاً لقبول تكاليفه. والضمير في يجعل عائد على الله تعالى ومعنى يجعل يصير لأن الإِنسان يخلق أولاً على الفطرة وهي كونه متهيئاً لما يلقى إليه ولما يجعل فيه، فإِذا أراد الله تعالى إضلاله أضله وجعله لا يقبل الإِيمان. وقرىء: ﴿ ضَيِّقاً ﴾ بحذف الياء التي هي عين الكلمة، إذ وزنه قبل الحذف فيعل وبعد الحذف فيل كقولهم: ليّن ولين.﴿ حَرَجاً ﴾ إسم فاعل من حرج يحرج فهو حرج. ومن قرأ حرجاً فهو وصف بالمصدر.﴿ كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ ﴾ هذه الجملة التشبيهية معناها أنه كما يزاول أمراً غير ممكن لأن صعود السماء مثل فيما يقصد ويمتنع من الاستطاعة وتضيق عنه المقدرة. وقرىء: يصّاعد ويصعّد ويصعد.﴿ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ﴾ الإِشارة بذلك إلى المصدر المفهوم من قوله: يجعل.﴿ ٱلرِّجْسَ ﴾ بمعنى العذاب، قاله أهل اللغة. وتعدية يجعل بعلى يحتمل أن يكون معناها يلقى كما تقول: جعلت متاعك بعضه على بعض، وأن يكون بمعنى يصيّر، وعلى في موضع المفعول الثاني.﴿ وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً ﴾ الإشارة بقوله: وهذا، إلى القرآن والشرع الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس. وانتصب مستقيماً على أنه حال مؤكدة، لأن صراطه تعالى لا يكون إلا مستقيماً. و ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ ﴾ أي بيناها ولم نترك فيها إجمالاً ولا التباساً.﴿ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ ﴾ أي يتدبرون بعقولهم.﴿ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ أي الجنة. والسلام من أسماء الله تعالى كما قيل في الكعبة بيت الله، وأضيفت إليه تشريفاً، قاله ابن عباس.﴿ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ ﴾ أي مواليهم وناصرهم على أعدائهم، ومتوليهم بالجزاء على أعمالهم.﴿ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ﴾ أعرب بعضهم يوم مفعول باذكر محذوفة والأولى أن يكون الظرف معمولاً لفعل القول المحكي به النداء، أي ويوم نحشرهم نقول: يا معشر الجن وهو أولى مما أجاز بعضهم من نصبه باذكر مفعولاً به لخروجه عن الظرفية. وقال الزمخشري: ويوم نحشرهم منصوباً بفعل مضمر غير فعل القول واذكر تقديره عندهم ويوم نحشرهم. وقلنا: يا معشر الجن كان ما لا يوصف لفظاعته. " انتهى ". وما ذكره يستلزم حذف جملتين: جملة وقلنا، وجملة العامل. ويجوز أن يكون يا معشر في موضع الحال لقول محذوف تقديره قائلين على سبيل التوبيخ لهم ويكون قوله: وقال أولياؤهم مقولهم ربنا على سبيل الاعتذار. والعامل في يوم قال: النار مثواكم: والضمير في نحشرهم عائد على الثقلين. وجميعاً: توكيد. ومعنى الاستكثار هنا إضلالهم منهم كثيراً وجعلهم اتباعهم، كما تقول: استكثر فلان من الجنود واستكثر فلان من الاشياع.﴿ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ ﴾ الآية، أي وقال أولياء الجن أي الكفار. من الإِنس ﴿ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ ﴾ انتفع.﴿ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾ فانتفاع الإِنس بالشياطين حيث دلوهم على الشهوات وعلى التوصلات إليها وانتفاع الجن بالإِنس حيث أطاعوهم وساعدوهم على مرادهم من إغوائهم، روي هذا المعنى عن ابن عباس. والأجل الذي بلغوه هو الموت.﴿ قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ ﴾ أي مكان ثوائكم أي إقامتكم. وقال أبو علي: هو عندي مصدر لا موضع وذلك لعمله في الحال التي هي خالدين. والموضع ليس فيه معنى فعل، فيكون عاملاً والتقدير النار ذات ثوائكم.﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ اضطربت أقوال المفسرين في هذا الاستثناء ولا أراه يصح منها شىء ونظيره الاستثناء الذي في سورة هود وسيأتي الكلام في ذلك.﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ ﴾ هذه صفتان مناسبتان لهذه الآية لأن تخليد هؤلاء الكفرة في النار صادر عن حكمته.﴿ وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّٰلِمِينَ بَعْضاً ﴾ الآية، لما ذكر تعالى أنه ولى المؤمنين يعني أنه يحفظهم وينصرهم بيّن أن الكافرين بعضهم أولياء بعض في الظلم والخزي. قال قتادة: نجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم، يريد ما تقدم من ذكر الجن والإِنس واستمتاع بعضهم ببعض.


الصفحة التالية
Icon