﴿ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً ﴾ ثم تقتضي المهلة في الزمان هذا أصل وضعها، ثم تأتي للمهلة في الاخبار، قال الزمخشري: عطف على وصاكم به قال: فإِن قلت: كيف صح عطفه عليه بثم، والإِيتاء قبل التوصية بدهر طويل؟ قلت: هذه التوصية قديمة لم تزل تواصاها كل أمة على لسان نبيّها، كما قال ابن عباس: محكمات لم ينسخن بشيء من جميع الكتب فكأنه قيل: ذلكم وصاكم به يا بني آدم قديماً وحديثاً، ثم أعظم من ذلك أنا آتينا موسى الكتاب وأنزلنا هذا الكتاب المبارك. " انتهى ". والذي قاله الزمخشري هو أنه رام إبقاء على المهلة الزمانية فصار التقدير أنّ وصاته تعالى تقدمت قبل زمان موسى عليه السلام ثم آتينا ففيه خروج من ضمير الغائب في وصاكم به إلى ضمير المتكلم في قوله: ثم آتينا. والكتاب هنا التوراة. وتماماً: منصوب على الحال، وهو مصدر في الأصل. والذي أحسن جنس، أي على من كان محسناً. ويؤيده قراءة ابن مسعود على الذين أحسنوا، وقراءة أبيّ تماماً للمحسنين وهاتان القراءتان تفسير لا قرآن.﴿ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ ﴾ أي بالبعث والحساب.﴿ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ ﴾ هذا: إشارة إلى القرآن. وأنزلناه ومبارك صفتان لكتاب، وكان الوصف الأول جملة فعلية مسندة لضمير الله تعالى بنون العظمة، وكان الوصف بالإِنزال آكد من الوصف بالبركة، فقدم لأن الكلام هو مع من ينكر رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينكر إنزال الكتب الإِلهية وكونه مباركاً عليهم هو وصف حاصل لهم منه متراخ عن الإِنزال، فلذلك تأخر الوصف بالبركة وتقدم الوصف بالإِنزال وبركته بما يترتب عليه من النقع والنماء بجمع كلمة العرب به والمواعظ والحكم والاعلام بأخبار الأمم السالفة والأجور التالية، والشفاء من الادواء، والشفاعة لقارئه، وعدّه من أهل الله تعالى.﴿ أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ ﴾ أن تقولوا مفعول من أجله فقدره الكوفيون: لئلا تقولوا ولأجل أن لا تقولوا، وقدره البصريون: كراهة أن تقولوا والعامل في كلا المذهبين أنزلناه محذوفة يدل عليها أنزلناه المتقدمة. والكتاب هنا: جنس. والطائفتان: هم أهل التوراة والإِنجيل اليهود والنصارى بلا خلاف. والخطاب متوجه إلى كفار قريش بإِثبات الحجة عليهم بإِنزال هذا الكتاب لئلا يحتجوا هم وكفار العرب بأنهم لم يكن لهم كتاب، فكأنه قيل: وهذا القرآن يا معشر العرب أنزل حجة عليكم لئلا تقولوا، إنما أنزلت التوراة والإِنجيل بغير لساننا على غيرنا، ونحن لم نعرف ذلك فهذا كتاب بلسانكم مع رجل منكم.﴿ وَإِن كُنَّا ﴾ قال الزمخشري: وإن هي المخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة بينها وبين أن النافية، والأصل وانه كنا عن دراستهم غافلين على أنها ضمير. " انتهى ". وما ذهب إليه من أن أصله وأنه كنا، والهاء ضمير الشأن يلزم منه أنّ انْ المخففة من الثقيلة عاملة في مضمر محذوف حال التخفيف، كما قال النحويون: في أن المخففة من الثقيلة، والذي نص عليه أنّ ان المخففة من الثقيلة إذا لزمت اللام في أحد الجزئين بعدها، أو في أحد معمولي الفعل الناسخ الذي يليها أنها مهملة لا تعمل في ظاهر ولا في مضمر لا مثبت ولا محذوف فهذا الذي ذهب إليه مخالف للنصوص، وليست إذا وليها الناسخ داخلة في الأصل على ضمير شأن البتة.﴿ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ﴾ الآية، انتقال من الاخبار لحصر إنزال الكتاب على غيرهم وأنه لم ينزل عليهم إلى الأخبار بكم على تقرير. والكتاب هو الكتاب السابق ذكره. ومعنى أهدى منهم أي أرشد وأسرع اهتداء، لكونه نزل علينا بلساننا فنحن نتفهمه ونتدبّره وندرك ما تضمنه من غير اكداد فكر ولا تعلم لسان، بخلاف الكتاب الذي أنزل على الطائفتين فإِنه بغير لساننا فنحن لا نعرفه ونغفل عن دراسته.﴿ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ هذا قطع لاعتذارهم بانحصار إنزال الكتاب على الطائفتين وبكونهم لم ينزل عليم كتاب، ولو نزل لكانوا أهدى من الطائفتين. والظاهر أن البينة هي القرآن، وهو الحجة الواضحة لدلالة النيّرة حيث نزل عليهم بلسانهم، وألزم العالم أحكامه وشريعته، وأن الهدى والنور من صفات القرآن.﴿ وَصَدَفَ ﴾ أي أعرض عنها، وتأخر الإِعراض لأنه ناشىء عن التكذيب. والإِعراض عن الشىء هو بعد رؤيته وظهوره. سنجزي الذين وعيد شديد. وعلق الجزاء على الصدوق لأنه ناشىء عن التكذيب.﴿ هَلْ يَنظُرُونَ ﴾ الضمير في ينظرون عائد على الذين. قيل لهم: فقد جاءتكم بينة من ربكم أي ما ينتظرون إلا أن تأتيهم الملائكة إلى قبض أرواحهم وتعذيبها.﴿ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ ﴾ بعلمه وقدرته تعالى، بلا أين ولا كيف، لفصل القضاء بين خلقه في الموقف يوم القيامة.﴿ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ ﴾ يريد آيات القيامة والهلاك الكليّ. وفي بعض آيات ربك إشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغيرها.﴿ يَوْمَ يَأْتِي ﴾ يوم منصوب بلا ينفع، وإيمانها فاعل بينتفع واجب تأخيره لعود الضمير على المفعول فصار نحو: ضرب زيداً غلامه. وتقدم نظيره في البقرة. وإذا ابتلى إبراهيم ربه قال الزمخشري: وقرأ ابن سيرين: لا تنفع ـ بالتاء ـ لكون الإِيمان مضافاً إلى ضمير المؤنث الذي هو بعضه كقولهم: ذهبت بعض أصابعه. انتهى. هذا غلط، لأن الإِيمان ليس بعضاً للنفس، ويحتمل أن يكون أنّث على معنى الإِيمان، وهو المعرفة أو العقيدة فيكون مثل: جاءته كتابي فاحتقره على معنى الصحيفة. ووصف نفساً بالجملة المنفية وهي لم تكن آمنت من قبل فدل على أن إيمانها وحده نافع قبل ذلك اليوم. وقوله: ﴿ أَوْ كَسَبَتْ ﴾ عطف على قوله آمنت التقدير أو تكن كسبت في إيمانها خيراً فدل ذلك على أنها إذا كانت مؤمنة، وكسبت خيراً قبل ذلك اليوم نفعها ذلك. وملخص هذا أنه قبل ذلك اليوم ينفع الإِيمان وحده، أو ينفع مع كسب الخير.﴿ قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ ﴾ هذا أمر تهديد ووعيد.﴿ إِنَّا مُنتَظِرُونَ ﴾ ما يحل بكم.


الصفحة التالية
Icon